غسل الأموال ((باللغة الإنجليزية: money laundering))، إنها جريمة تنشأ عن احتياج المجرمين لإدخال الأموال التي اكتسبوها بطرق غير شرعية إلي الأنظمة المالية الشرعية في البلاد.
من خلال غسيل الأموال، يقوم المجرم بتحويل العائدات النقدية المستمدة من النشاط الإجرامي إلى أموال يبدو أنها ذات مصدر قانوني، صورة من rawpixel. |
في هذا التقرير نناقش معا أهم النقاط التي ينبغي العلم بها بشأن جريمة غسل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة، وما هي صورها .. والمشكلات التي تثيرها في الواقع العملي .. وكذلك العقوبة المقررة لها.
ما معني غسل الأموال وكيف يتم؟:
في البداية علينا نعرف أولا أن غسل الأموال يهدف إلى إخفاء الأصول والمصادر الغير قانونية حتى يمكن استخدامها دون أن تستطيع السلطات اكتشاف الأنشطة الغير قانونية التي أنتجت تلك الأموال.
هل تسمح دولة الإمارات بغسيل الأموال؟:
يبدو السؤال غريبا لكنه والأكثر غرابة أنه متكرر بل وتدور حوله الشائعات.
والإجابة القاطعة هي ((لا تسمح دولة الإمارات بغسيل الأموال)) بل ويعد جريمة معاقب عليها.
إذ تولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماما كبيرا بشأن التصدي لهذه الجريمة، وكان من بين ذلك إصدار المرسوم بقانون اتحادي رقم ٢٠ لسنة ٢٠١٨ في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
ولتنظيم وحل المشكلات العملية في تطبيق القانون صدرت لائحته التنفيذية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ١٠ لسنة ٢٠١٩.
من بعد ذلك صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم ٢٦ لسنة ٢٠٢١ بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠١٨، كما تم تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية بصدور قرار مجلس الوزراء رقم ٢٤ لسنة ٢٠٢٢.
هذا ويعمل البنك المركزي الإماراتي أيضا على التفتيش على المؤسسات المالية المرخصة في الدولة لضمان توافقها مع الأطر القانونية والرقابية لمكافحة غسل الأموال، بل إن لديه دائرة مختصة بهذا الغرض تحديدا تحمل اسم (AML/CFT).
كما تم إنشاء ((اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة)).
من الذي يعتبر مرتكبا لجريمة غسل الأموال في القانون الإماراتي؟:
بالبحث في القانون الإماراتي نجد مباشرة وفي المادة رقم ٢ منه، أنه يعد مرتكبا لجريمة غسل الأموال كل من ((كان عالما بأن الأموال متحصلة من جريمة أصلية، وأرتكب عمدا أحد الأفعال التالية)):
- حول المتحصلات أو نقلها أو أجري أي عملية بها بقصد إخفاء أو تمويه مصدرها غير المشروع.
- أخفي أو موه حقيقة المتحصلات، أو مصدرها، أو مكانها، أو طريقة التصرف فيها، أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.
- اكتسب أو حاز أو استخدم المتحصلات عند تسلمها.
- مساعدة مرتكب الجريمة الأصلية على الإفلات من العقوبة.
ونلاحظ هنا أن القانون قد أشترط لاعتبار الفاعل مرتكبا لجريمة غسل الأموال أن يكون ((عالما بأن الأموال متحصلة من جريمة أصلية))، ويعني هذا أنه لو لم يكن عالما فلا تتحقق بشأنه الجريمة.
فعلي سبيل المثال، موظف المصرف الذي يستقبل طبيب يودع لديه أموال في حسابه البنكي كان قد تحصل عليها من قيامه بعملية (إجهاض) خارج الإطار القانوني لها.
فهذه الأموال متحصلة من جريمة لكن موظف البنك لا يعرف ذلك، فهو في هذه الحالة لا يعتبر مرتكبا لجريمة غسل الأموال.
- حينما يقول النص: ((الأموال متحصلة من جريمة أصلية)) فهذا يعني أو يقصد به الجريمة التي كانت أساسا وسببا في التحصل على الأموال غير المشروعة، مثل جريمة الاحتيال الإلكتروني أو السحر أو الدعارة ، كلها جرائم يتحصل منها مال.
فالجريمة التي يتحصل منها المال الذي يتم غسله أيا كانت نوع هذه الجريمة تسمي ((جريمة أصلية)).
ما هي عقوبة غسل الأموال في الإمارات؟:
مما سبق نكتشف أن طابع وطبيعة جريمة غسل الأموال أنها جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية التي نتج عنها المال .. لذا يثور هنا سؤال حول ما هي العقوبة الواجب فرضها على الجاني في هذه الحالة؟.
نجد الإجابة عن هذا السؤال قد أضحت مستقرة فيما نص عليه البند (٢) من المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادي رقم ٢٦ لسنة ٢٠٢١ في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
إذ جاء في هذا البند أنه: ((تعتبر جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة، ولا تحول معاقبة مرتكب الجريمة الأصلية دون معاقبته على جريمة غسل الأموال)).
أي أنه ستتم معاقبة الجاني على جريمته الأصلية التي نتج عنها المال، وكذلك عن جريمة غسل الأموال في آن واحد، وينفذ كلا العقوبتين.
إثبات جريمة غسل الأموال في الإمارات:
إثبات جريمة غسل الأموال دون الإدانة بارتكاب الجريمة الأصلية:
ثم نذهب إلى أحد البنود القانونية التي تثير الكثير من اللغط حين يتم تطبيقها في الواقع العملي.
ونقصد هنا البند رقم ٣ من نفس المادة الثانية من ذات القانون والتي نصت على: ((لا يشترط حصول الإدانة بارتكاب الجريمة الأصلية لإثبات المصدر غير المشروع للمتحصلات)).
وهنا يثور السؤال .. ماذا لو صدر حكم ببراءة المتهم من الجريمة الأصلية التي إتهم أصلا بسببها بجريمة غسل الأموال؟.
الواقع هنا أن صياغة النص كانت تحتاج إلى مزيد من الانضباط .. لأنها بشكل ما تتيح للقاضي أنه وحتى في حالة البراءة في الجريمة الأصلية أن يقضي بالإدانة بغسل الأموال ونصبح هنا أمام حالة غير مفهومة وغير منطقية أصلا.
الواضح أن المشرع الإماراتي كان يقصد حالات مثل انقضاء الدعوى الجنائية إما لوفاة المتهم أو بمضي المدة المنصوص عليها في المادة ٢١ من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي.
ففي هذه الحالة لا يعقل أن يترك المال الذي تم غسله ليستفيد منه الجاني .. بل يتم الفصل بين الجريمة الأصلية وبين المال المتحصل منها، فيتم مصادرته على سبيل المثال.
خطوات إثبات جريمة غسل الأموال:
على أي حال فقد أوضحت المادة الخامسة من المرسوم بقانون اتحادي رقم ٢٠ لسنة ٢٠١٨ أنه وفي حالة الاشتباه في أموال أنها تخضع لعملية غسل أموال فإنه يكون من حق محافظ البنك المركزي الإماراتي أو من يقوم مقامه بأن يأمر بتجميدها لمدة ٧ أيام.
ويجوز تمديد هذه المدة، لكن قرار التمديد يجب أن يصدر من النائب العام أو من يفوضه.
كما يجوز للنيابة العامة أو المحكمة المختصة أن تأمر بتحديد أو تتبع أو تقييم الأموال والمتحصلات والوسائط المشتبه بها أو ما يعادل قيمتها أو حجزها أو تجميدها إذا كانت ناتجة عن الجريمة أو مرتبطة بها.
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
وفي الختام سلام..
إرسال تعليق