جريمة الزنا تلك الجريمة التي لها آثار سلبية ضخمة على العائلات والآداب العامة والأخلاق، بحيث لا توجد جريمة تؤثر على كل هذا بنفس درجة تأثيرها.
في هذا التقرير من (القانون في الخليج) ستجدون شرحا وإجابات قانونية موثوقة بشأن ملف تتكاثر حوله الأسئلة وهو (جريمة الزنا في القانون الإماراتي).
هل الزنا مجرم في الإمارات؟:
الإجابة القاطعة هي (نعم).
يشكل فعل الزنا جريمة وفقا للمادة ٤٠٩ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي التي تنص في فقرتها الأولى على: ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (٦) ستة أشهر كل من واقع أنثي أتمت (١٨) الثامنة عشر من عمرها برضاها ويعاقب بذات العقوبة من قبل ذلك على نفسه)).
بالاطلاع على هذه الفقرة نلاحظ ما يلي:
- أولا: العقوبة هي الحبس وبذلك تعد جريمة الزنا من الجنح وليس من الجنايات في القانون الإماراتي.
- ثانيا: مدة الستة أشهر هي أقل عقوبة في هذه الجريمة، بمعني أنه يجوز للقاضي أن يحكم بالحبس بأي مدة أكبر يراها حسب ظروف القضية، بشرط أن لا تزيد عن ثلاث سنوات كما حددت المادة ٧٠ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي.
- ثالثا: يجب أن تكون الانثي قد أتمت الثامنة عشر، ويجب أن يحدث الزنا برضاها، ونحن هنا نتحدث عن حالة الزنا العادية بين رجل وامرأة.. وليس عن الدعارة التي تمتهنها المرأة والتي كنا قد وضعنا تقريرا خاصا عنها يمكنكم الرجوع إليه: ((حالات وعقوبة جريمة الدعارة في الإمارات العربية المتحدة)).
- رابعا: تعاقب المرأة نفس العقوبة التي ستصدر بحق الرجل.
كيفية إثبات الزنا في الإمارات:
لتوضيح هذه النقطة فإن أفضل ما يمكن الاعتماد عليه هو أحكام القضاء الإماراتي، وبالتحديد قمنا بالاستعانة بالحكم في الطعن رقم ١٤ لسنة ٢ ق، والصادر بجلسة ٣٠ / ٩ / ٢٠٠٧ من الدائرة الجزائية بمحكمة تمييز رأس الخيمة.
وكذلك قمنا بالاستعانة ببعض أحكام المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية، ومنها الحكم في الطعن رقم ٦٧٩ لسنة ٢٠٢١ الصادر بجلسة الاثنين الموافق ١٨ أكتوبر ٢٠٢١.
الاعتراف بحدوث الزنا:
ونحن هنا بصدد جريمة (ثنائية) اشترك فيها فاعلين، فإذا صدر الاعتراف عن كليهما يتم إثبات وقوعها بالفعل.
وقد يتم هذا الاعتراف إما بمحضر الضبط أو خلال التحقيق أو حتى أمام المحكمة.
لكن المحاكم قد تواجه مشكلة في التطبيق العملي إذا ما صدر الاعتراف عن واحد دون الآخر، فهنا ينبغي على المحكمة أن تبحث بقية أركان القضية لتحديد الحقيقة.
ومن الإجراءات التي قد تتخذها المحاكم في حالة اعتراف السيدة مثلا بأنها قد ارتكبت جريمة الزنا مع شخص معين، وإنكار الرجل لذلك أن تأمر بإجراء تحليل للسائل المنوي الخاص به، ما ينفي أو يؤكد ما إذا كان هو من واقعها.
وفي جميع الأحوال يجب أن يكون واضحا أن الاعتراف يجب أن يكون سليما من الناحية القانونية دون إكراه أو تهديد.
قيام أركان جريمة الزنا:
من وسائل إثبات جريمة الزنا في القانون الإماراتي هو (قيام أركانها).
ولجريمة الزنا ركنين:
1- الركن المادي:
ويتمثل في ارتكاب رجل وامرأة عاقلين فاحشة الزنا.
2- الركن المعنوي:
ويتمثل في أن يكون ذلك ((عمدا))، وأن تكون هناك إرادة مشتركة بين الرجل والمرأة على فعل الزنا.
بمعني أنه يجب أن يكون الرجل والمرأة يعلمان أنهما يرتكبان الزنا بدون أن يظن أحدهما خطأ أن له حق في فعلها.
كذلك فمن يقوم بتخدير شخص أو تغييبه عن الوعي فإن من غاب وعيه لا تقوم بحقه جريمة الزنا، بل يكون مجني عليه في جريمة اغتصاب.
ولنضرب هنا مثالا عمليا آخر من حكم قضائي صادر أيضا عن الدائرة الجزائية بمحكمة تمييز رأس الخيمة وبالتحديد الحكم الصادر في الطعن رقم ٢٤ لسنة ٢ ق بتاريخ ٢ / ٣ / ٢٠٠٨.
حيث طعنت المحكوم عليها على حكم محكمة استئناف جنايات رأس الخيمة بأن هناك (شبهة) تتحقق بالنسبة لها تتمثل في أنها كانت مخطوبة للشخص الذي جامعته، وأنه أوهمها بأن زواجهما قد تم شرعا لحضور وليها الشرعي وذويها للخطبة.
وقد رفضت المحكمة هذا الدفاع مبينة أن الخطبة هي تمهيد للزواج وهي مختلفة عنه، وحتى لو شهدها أهلها ووليها، فإن هذا لا يبيح الوطء وإنما عقد الزواج.
الحكم القضائي المثبت لوقوع الزنا:
إن الحكم القضائي بالإدانة بجريمة الزنا هو أقوى إثبات على وقوعها، ففيه تثبت المحكمة وقوع الجريمة، وتورد فيه الأدلة على ذلك.
-- من كل ما سبق يتضح لنا أنه يجب لإثبات جريمة الزنا في الإمارات أن تتوافر الأدلة الواضحة على حصولها.
فإذا لم يحدث ذلك، تحكم المحكمة بالبراءة، كحكم المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية الصادر عام ٢٠١٣ ببراءة رجل من تهمة الزنا مع امرأة متعددة العلاقات.
واستند هذا الحكم على أن الحكم الصادر من محكمة الجنايات بحقه إنما بني على (الظن والشك)، وأن فض غشاء المرأة في تلك القضية والثابت أنها متعددة العلاقات لا يمكن مع ذلك الجزم بأن هذا الرجل الذي اتهمته هو من قام بذلك.
النتائج المترتبة على جريمة الزنا في القانون الإماراتي:
يكون من حق الطرف المتضرر -الرجل إذا حكم على زوجته بالزنا أو الزوجة إذا صدر حكم ضد زوجها- أن يطلب التفريق بينه وبين الطرف الآخر.
والتفريق في هذه الحالة يكون بطلب يرفع إلى القضاء وعندما يصدر فإنه يعد (فسخ) لعقد الزواج وليس طلاقا عاديا، ما يعني أن المرأة إذا صدر ضدها حكم قضائي بارتكاب الزنا لن يكون لها حقوقها الشرعية مثل مؤخر الصداق أو نفقة العدة أو نفقة المتعة.
الحمل غير الشرعي في القانون الإماراتي:
دعونا هنا نتحدث بدقة شديدة لأن هذه القضية بالتحديد تثير نوعا من التضارب.
وهذا الأمر (الحمل غير الشرعي في القانون الإماراتي) نظمته المادة رقم ٤١٠ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي والتي جاءت في بدايتها بتغليظ عقوبة الزنا إذا ما نتج عنها مولود.
فبدلا من الحبس مدة لا تقل عن ٦ شهور، أصبحت العقوبة مدة لا تقل عن سنتين لكل من الرجل والمرأة.
لكن نفس هذه المادة منعت من إقامة الدعوى الجزائية إذا لم يكن قد تم تحريكها، وأسقطت العقوبة تماما إذا كانت قد صدرت بالفعل في هذه الحالات:
- زواج الرجل من المرأة.
- إذا أقر أحدهما أو كليهما ببنوة الطفل له واستخرجت له شهادة الميلاد والأوراق الثبوتية وفقا لقوانين دولة الإمارات أو الدولة التي ينتمي إليها.
![]() |
نموذج أمر على عريضة يصدر بناء على أمر قضائي من المحكمة المختصة بإصدار شهادة ميلاد للمولود مجهول الأب. |
متي تسقط جريمة الزنا في الإمارات؟:
للإجابة على هذا السؤال فإننا نطرح الحالات الثلاثة التي تسقط فيها جريمة الزنا في الإمارات.
الحالة الأولى: انقضاء الدعوى الجزائية في جريمة الزنا:
حددت المادة ٢١ من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي حالات انقضاء الدعوى الجزائية والتي تنطبق على جريمة الزنا.
وكنا قد سبق أن أوضحنا أن القانون الإماراتي يصنف جريمة الزنا باعتبارها من (الجنح)، وبالتالي ينطبق عليها ما ورد في الفقرة الثانية من المادة المذكورة ، حيث حدد المشرع الإماراتي مدة انقضاء الدعوى الجزائية في الجنح بخمس سنوات.
ويبدأ احتساب المدة اعتبارا من تاريخ اليوم الذي وقعت فيه الجريمة.
الحالة الثانية: عدم تقديم أو التنازل عن شكوى الزنا:
في هذه الحالة، نعود مرة أخرى إلى نص المادة ٤٠٩ لكن في الفقرتين الثانية والثالثة منها.
إذ يشترط بموجب الفقرة الثانية من أجل تحريك دعوى الزنا في الإمارات أن يكون الشاكي هو زوج المرأة التي زنت أو وليها.
فإذا لم يتم التقدم بشكوى من أيا منهما، فلا تتحرك القضية مهما كان من أبلغ عنها.
وبمقتضى الفقرة الثالثة من ذات المادة فإنه يحق للزوج أو الولى (التنازل عن الشكوى) حتى ولو كان الحكم قد صدر بالفعل وبدأ تنفيذ العقوبة.
في هذه الحالة أيضا تسقط جريمة الزنا بانقضاء الدعوى الجزائية.. ولو كان الحكم قد صدر فإنه يتم وقف تنفيذ العقوبة.
الحالة الثالثة: الاعتراف ببنوة الطفل في حالة الميلاد سفاحا:
وسبق أن أوضحنا هذه الحالة في تقريرنا هذا بشكل تفصيلي.
لكن دعونا هنا نقول شيئا لمن وقع في هذه الجريمة أو حتى يدور في ذهنه ارتكابها.
إن الله -عز وجل- قد حرم الزنا، فيقول في كتابه الحكيم:
((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) {الايتين الكريمتين من سورة الفرقان}.
فجعل الزنا في المرتبة الثالثة بعد القتل والشرك بالله، وجعل العقوبة هي مضاعفة العذاب يوم القيامة بل والخلود فيه وبشكل مهين.
فإذا كان من المهم أن تسقطوا تلك الجريمة عن أنفسكم أمام القانون درء للحبس ستة أشهر، فمن الأهم وبدون وجه للمقارنة أصلا أن تفكروا أن تسقطوا تلك الجريمة عن أنفسكم أمام الله عز وجل.
ولا يكون ذلك إلا بالتوبة النصوح، حتى يتحقق فيكم قوله عز وجل:
((إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(71))) {الايتين الكريمتين من سورة الفرقان}.
وفي الختام سلام..