حرصت الأنظمة السعودية على أن يكون لها دورها في منع استغلال النفوذ الوظيفي ومعاقبة من يثبت تورطه في إرتكابه.
منشور تحذيري من النيابة العامة السعودية من جريمة استغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية. |
نرصد في هذا التقرير الاتهامات التي قد توجه بشأن (استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية) والعقوبات المقررة بشأنها، خصوصا مع ارتفاع معدلاتها والتي قد تصل إلى المئات شهريا.
ماذا يعني استغلال النفوذ الوظيفي؟:
توجد الكثير من التعريفات لجريمة استغلال النفوذ الوظيفي.
لكن ربما تكون أفضل إجابة عن معني استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية، هو ما ورد في نص المادة ١٢ من مرسوم الملكي رقم م/٤٩ الصادر بتاريخ ١٠ / ٧ / ١٣٩٧ هجري، والتي وضعت خمسة محظورات على الموظفين في الوظائف العامة، بمعني أن إرتكاب أيا منها يعد استغلال للنفوذ الوظيفي.
وهذه المحظورات الخمسة هي:
- إساءة استعمال السلطة الوظيفية.
- استغلال النفوذ.
- قبول الرشوة أو طلبها بأي صورة من الصور المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة.
- قبول الهدايا أو الإكراميات أو خلافه بالذات أو بالوساطة لقصد الاغراء من أرباب المصالح.
- إفشاء الأسرار التي يطّلع عليها بحكم وظيفته ولو بعد تركه الخدمة.
ومن هذه الصور الخمسة يمكننا تعريف استغلال النفوذ الوظيفي بشكل بسيط بأنه: (قيام شخص إسند له أمر من أمور المسلمين العامة باستغلال ذلك في الحصول على منفعة خاصة لنفسه بصورة غير قانونية أو غير مشروعة).
ويضيف البعض إلى هذا التعريف، وهذه الصور، صورة أخرى هي صورة استغلال النفوذ الوظيفي بقصد الانتقام أو الإضرار من أشخاص آخرين، كحالة موظف يمتنع عن أداء معاملة للإضرار بأشخاص آخرين بينه وبينهم مشكلات.
فهنا وفي هذه الحالة لا يوجد مصلحة للموظف العمومي ولا لغيره، فقط يقصد الإضرار بالآخرين مستغلا سلطته، وهذه صورة من أهم صور استغلال النفوذ الوظيفي.
أشكال وصور استغلال النفوذ الوظيفي:
لا يوجد نص محدد في أي نظام من الأنظمة السعودية يقول أن هذه الأفعال هي أشكال وصور جريمة استغلال النفوذ الوظيفي.
لذا، فبالإضافة إلى التوضيح العام السابق، يمكننا الاسترشاد أيضا بنص المادة ٥ من نظام محاكمة الوزراء، والتي حددت عدد من أشكال وصور الاستغلال الوظيفي التي قد يمارسها عدد من الموظفين في الوظائف العمومية ولا يشترط أن يكونوا وزراء بل من أي درجة وظيفية أخرى.
- التصرفات أو الأفعال التي من شأنها التأثير بالزيادة أو النقص في أثمان البضائع والعقارات أو العملة أو الأوراق المالية، للحصول على فائدة شخصية له أو لغيره (مثل الخبير الذي قد يكتب تقارير في النازعات القضائية).
- قبول فائدة - أيا كان نوعها - لنفسه أو لغيره، لقضاء عمل رسمي أو الامتناع عن عمل رسمي ((وهنا لا يشترط أن يطلب الموظف العمومي الفائدة لنفسه، بل قد يطلبها لأبنه أو لزوجته مثلا .. وهناك صورة أخرى شهيرة لا يطلب فيها شيء من أحد أصلا، كحالة الموظف الكبير الذي يوظف أقاربه في الوظائف العمومية)).
- استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة ((وهنا قد يزعم الموظف العمومي امتلاكه نفوذ غير حقيقي يمكنه من إتمام أمر معين أو منعه، فحتى ولو لم يكن هذا من سلطته، فبتضليل الناس تتحقق جريمة استغلال النفوذ الوظيفي .. أو أن يدعي مثلا أنه تربطه علاقة قرابة أو صداقة بشخص معين له سلطة القيام بهذا الشئ أو منعه .. وهنا يجب أن يحدث فائدة بالفعل لهذا الذي يزعم، علاوة على أن يكون هناك شيء قد أظهره للضحية مثل توقيعات أو أوراق تؤيد ما يقوله، حتى لا يتحول الأمر إلي مجرد انتحال شخصية أو احتيال)).
- تعمد مخالفة النظم واللوائح والأوامر التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية، أو حقوق الأفراد الثابتة شرعا أو نظاما.
- إفشاء القرارات.
- التدخل الشخصي في شئون القضاء والهيئات والدوائر الحكومية.
من كل ما سبق يمكننا طرح تعريف جديد لجريمة استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية بأنها: (حصول الموظف العمومي على مكاسب لشخصه أو لغيره، سواء كانت مكاسب مادية أو معنوية، نتيجة لاستغلال نفوذ وظيفته، سواء كان هذا النفوذ حقيقي ام لا).
أركان جريمة استغلال النفوذ الوظيفي:
تعد هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية (نزاهة) هي المسؤولة عن التصدي لجريمة استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية، شعار الهيئة استخدام عادل. |
كبقية الجرائم الأخرى، تتكون جريمة استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية من ركنين:
- الركن المادي: وهو الفعل، ويتحقق بفعل أي شيء مما ذكرناه سابقا.
- الركن المعنوي: وهو القصد، أي يجب أن يكون الموظف قاصدا حين قام بالفعل أن يرتكب هذه الجريمة.
فمثلا إذا تلقي الموظف العمومي هدية من صديق أو قريب له، وثبت للمحكمة أنه لم يأخذها إلا للصداقة أو للقرابة، فإنه لا يكون مرتكبا لاستغلال النفوذ الوظيفي حتى ولو كان صاحب الهدية له مصلحة عنده بحكم وظيفته، بل ولو كان قاصدا أن يعطيه الهدية لهذا السبب.
عقوبة استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية:
وردت النصوص التي تحتوي على عقوبات استغلال النفوذ الوظيفي في السعودية، في أحد أقدم الأنظمة العقابية في المملكة إن لم يكن أقدمها على الإطلاق.
ونقصد هنا: (المرسوم الملكي رقم ٤٣ لعام ١٣٧٧هـ) والمعروف باسم نظام عقوبات جرائم الوظيفة العامة، والذي نص في الفقرة الأولى من مادته الثانية على: ((يعاقب بالسجن مدة لاتزيد عن عشر سنوات أو بغرامة لاتزيد عن عشرين ألف ريال كل موظف ثبت ارتكابه لإحدى الجرائم الآتية ، وكذلك من اشترك أو تواطأ معه على ارتكابها سواء كانوا موظفين أو غير موظفين)).
وحددت هذه المادة هذه الجرائم:
- استغلال نفوذ الوظيفة لمصلحة شخصية في داخل الدائرة وخارجها.
- التحكم في أفراد الرعية أو الافتئات على حق من حقوقهم الشخصية بصورة من الصور أو تكليفهم بما لا يجب عليهم نظاما.
البندين ٣ و ٤ كانا يتعلقا بجريمة رشوة الموظف العمومي وقد تم تخصيص نظام خاص لهذه الجريمة.
لذا نعود مع البند رقم ٥ والذي نص على: ((سوء الاستعمال الإداري كالعبث بالأنظمة والأوامر والتعليمات وبطرق تنفيذها امتناعا أو تأخيرا ينشا عنه ضرر خاص أو عام ويدخل ضمن ذلك تعمد تفسير النظم والأوامر والتعليمات على غير وجهها الصحيح أو في غير موضعها بقصد الإضرار بمصلحة حكومية لقاء مصلحة شخصية واستغلال النفوذ أيا كان نوعه في تفسير الأوامر وتنفيذها لمصلحة شخصية عن طريق مباشر أو غير مباشر)).
وكذلك ما ورد في البند ٦: ((استغلال العقود بما في ذلك عقود المزايدات والمناقصات عن طريق مباشر أو غير مباشر لمصلحة شخصية والعبث بأوامر الصرف وتأخيرها عن وقتها المحدد لها وحجز كل أو بعض ما يستحقه الموظفون والعمال من رواتب وأجور وتأخير دفعها إليهم بقصد الانتفاع بها شخصيا بعضاً أو كلاً واستعمال معلوماته الرسمية لاستغلال العملة في ارتفاعها أو هبوطها صرفا وتبديلاً)).
عقوبة جريمة استغلال النفوذ الوظيفي إذا ارتكبها وزير:
المشرع السعودي وضع نظام خاص بمحاكمة الوزراء، الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم ٨٨ بتاريخ ٢٢ / ٩ / ١٣٨٠ هجري.
المادة ٥ من هذا النظام حددت عقوبة جريمة استغلال النفوذ الوظيفي إذا ما كان مرتكبها وزير بما يلي: ((مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي نظام آخر، يعاقب بالسجن لمدة تتراوح من ٣ - ١٠ سنوات المتهم بموجب أحكام هذا النظام)).
وهذا كان واضحا تماما في الفقرة ج من هذه المادة التي حددت أن هذه العقوبة تسري في حالة: ((استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة)).