في كل صباح، تنشط المحاكم في المملكة العربية السعودية، ينظر القضاة فيها مختلف أنواع القضايا والنزاعات، يستمعون فيها لدفوع وحجج كل طرف من أطرافها.
إذا رفعت أو رفعت ضدك قضية في المملكة العربية السعودية وتغيبت عن حضور الجلسة فإن ذلك قد يكون له العديد من النتائج الهامة، صورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copiolt. |
لكن .. ماذا يحدث إن تغيب هؤلاء الأطراف ولم يحضروا الجلسة أصلا؟... يبدو هذا أمرا متكررا ويحدث كل يوم.
نبين في هذا التقرير ماذا يحدث إذا غاب المدعي أو المدعي عليه عن حضور جلسات القضية اللذان هما طرفيها، وهو الأمر الذي أوضحه تماما نظام المرافعات الشرعية السعودي ولائحته التنفيذية.
ما هو الغياب في نظام المرافعات الشرعية السعودي؟:
في البداية علينا أن نوضح بالتحديد ما هو الغياب أصلا في نظام المرافعات الشرعية السعودي؟.
الغياب بأبسط تعريف له هو عدم حضور أحد الخصوم أمام المحكمة.
- تنويه: الخصوم هنا يقصد بهم طرفي النزاع أو ما قد ينوب عنهم مثل ((الوكيل أو الوصي)).
لكن يمكن تعريفه بشكل قانوني منضبط وشامل بأنه: ((تخلف المدعي أو المدعي عليه عن حضور جلسة من جلسات المحاكمة في الوقت المحدد للجلسة، دون أن يتقدم بعذر تقبله المحكمة)).
كما يشمل أيضا تخلفه عن الحضور في الوقت المحدد لمعاينة محل النزاع (كأن يكون هناك نزاع على قطعة أرض وتحدد المحكمة وقت معين لمعاينتها)، أو تخلفه عن الحضور في الوقت المحدد لقيام الخبير بمهام عمله.
لكن إذا حضر قبل الميعاد المحدد لانتهاء الجلسة بثلاثين دقيقة عد حاضرا، سواء كانت الجلسة منعقدة ام لا.
أما إذا حضر قبل الميعاد المحدد لانتهاء الجلسة بأقل من ثلاثين دقيقة، ففي هذه الحالة يعتبر غائبا، ما لم تكن الجلسة لا تزال منعقدة، ففي هذه الحالة يعتبر قد حضر.
غياب المدعي عن حضور جلسة المحكمة في السعودية:
نصت الفقرة الأولى من المادة ٥٥ من نظام المرافعات الشرعية السعودي على: ((إذا لم يحضر المدعي أي جلسة من جلسات الدعوى، ولم يتقدم بعذر تقبله المحكمة، فلها أن تقرر شطبها، فإذا انقضت (ستون) يوما ولم يطلب المدعي السير فيها بعد شطبها، أو لم يحضر بعد السير فيها عدت كأن لم تكن)).
- تنويه: إذا حضر وكيل عن المدعي في أول جلسة لكنه لم يقدم سند وكالته، فإنه يعتبر غائبا.
وهذا النص تعامل مع أرض الواقع، فأعتبر أن المدعي قد يكون له "عذر مقبول" دفعه لعدم حضور واحدة من جلسات القضية، وترك الباب مفتوحا أمام المحكمة لتقرر هي ما إذا كان العذر مقبول بالنسبة لها ام لا.
فإذا لم تقبل المحكمة العذر الذي تقدم به المدعي (والمدعي هو الشخص الذي رفع القضية أصلا)، فيجوز لها أن تقرر شطبها.
ولكن نفس الفقرة منحت للمدعي الحق -خلال ٦٠ يوم- لكي يطلب إعادة السير في القضية من جديد بعد شطبها .. كما أوضحت أنه إذا مضت تلك المدة، اعتبرت القضية كأن لم تكن أصلا.
وجاء نص الفقرة الثانية من نفس المادة، لينص على: ((وإذا طلب المدعي بعد ذلك السير في الدعوى حكمت المحكمة -من تلقاء نفسها- باعتبار الدعوى كأن لم تكن)).
وهذه الفقرة تجعل لزاما على المحكمة إذا قام المدعي بإعادة السير في القضية من جديد بعد مرور أكثر من ٦٠ يوم على قرار شطبها، أن تحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
وعبارة (من تلقاء نفسها) تعني أنها لا تحتاج أن يقوم المدعي عليه بطلب ذلك منها، فحتى لو لم يطلبه، فإنها يجب أن تحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
لكن .. ليس هذا السيناريو الوحيد الذي قد تسير به الأمور إذا غاب المدعي عن حضور جلسات الدعوى.
الحكم في القضية برغم غياب المدعي عن حضور جلسة المحكمة في السعودية:
نجد أن المادة ٥٦ من نظام المرافعات الشرعية السعودي تنص على حالة أخرى من حالات غياب المدعي عن حضور الجلسة: ((فللمدعي عليه أن يطلب من المحكمة الحكم في موضوعها، وعلى المحكمة أن تحكم إذا كانت صالحة للحكم فيها، ويعد حكمها في حق المدعى حضوريا)).
الهدف من هذا النص هو منع تطويل مدة القضية، فجعلت من حق المدعي عليه (الشخص الذي رفعت ضده الدعوى) أن يطلب من المحكمة الحكم فيها، وهنا يجب على المحكمة إذا كانت القضية جاهزة بالفعل للحكم فيها أن تصدر حكمها.
ويكون هذا الحكم "حضوريا" في حق المدعي، ببساطة لأنه هو من رفع القضية، ويعلم موعد الجلسة.
غياب المدعي عليه عن حضور جلسة المحكمة في السعودية:
نذهب الآن إلى المادة ٥٧ من نظام المرافعات الشرعية السعودي .. وهذه المادة وضعت أكثر من احتمال لغياب المدعي عليه عن حضور الجلسة.
الحالة الأولى: إذا غاب المدعي عليه عن الجلسة الأولى، ولم يكن قد تم إبلاغه هو أو وكيله بموعدها: تقرر المحكمة تأجيل الدعوى إلى جلسة أخرى يبلغ بها المدعى عليه.
الحالة الثانية: إذا غاب المدعي عليه عن الجلسة التي تم التأجيل إليها دون عذر تقبله المحكمة ولو لم يكن قد تم إبلاغه هو أو وكيله بموعدها: تحكم المحكمة في القضية، ويعد حكمها في حق المدعي عليه "غيابيا".
الحالة الثالثة: إذا تم تبليغ المدعي عليه أو وكيله بموعد الجلسة، أو قام هو أو وكيله مذكرة بدفاعه لدي المحكمة قبل الجلسة، لكنه لم يحضر الجلسة، أو حضر المدعي عليه في أي جلسة ثم غاب: تحكم المحكمة في الدعوى، ويعد الحكم في هذه الحالة (حضوري) في حق المدعي عليه.
الحالة الرابعة: إذا لم يحضر المدعي عليه الذي ليس له مكان إقامة معروف أو مكان إقامة مختار في المملكة .. وتم إعلانه بالطرق الإدارية المتبعة لإعلانه من خلال وزارة الداخلية: تحكم المحكمة في الدعوى، ويعد حكمها في حق المدعي عليه غيابيا.
إحضار المدعي عليه إلى المحكمة بالاجبار:
هناك بعض القضايا من نوعية خاصة، حرص المشرع السعودي فيها على حضور المدعي عليه لجلساتها، ولهذا السبب منح في البند ٤ من المادة ٥٧ من نظام المرافعات الشرعية الحق للمحكمة في أن تأمر بإحضاره ولو جبرا.
هذه النوعية من القضايا، محددة على سبيل الحصر، وهي:
- المسائل الزوجية.
- الحضانة.
- النفقة.
- الزيارة.
- المرأة التي تتهم أولياؤها بأنهم يعضلونها.
لكن البند ١٠ من المادة ٥٧ حددت أنه لا تأمر المحكمة بالإحضار جبرا إلا بعد تخلف من تبلغ لشخصه أو لغير شخصه أو ظهر للمحكمة تهربه أو تخفيه.
بمعني أن تعتقد المحكمة أن هذا الشخص يتهرب من المثول أمامها، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تأمر بإحضاره جبرا، وذلك عن طريق الكتابة إلى قسم الشرطة التي يقيم المدعي عليها فيه ولو كان خارج اختصاص المحكمة.
بمعني أنه لو كانت المحكمة في المدينة المنورة، والشخص يقيم في الطائف، فهنا تخاطب المحكمة شرطة الطائف بإحضاره جبرا.
ماذا يحدث إذا حضر المدعي عليه واحدة من الجلسات ثم غاب في التي تليها؟:
هذه الحالة عالجتها اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية السعودي في مادتها ٥٧ / ٣.
فقالت هذه المادة أنه إذا حضر المدعي عليه واحدة من الجلسات ثم غاب في أي جلسة تلتها، فإنه إذا كان هناك حاجة إلى تأجيل القضية يتم تأجيلها دون إعلانه بذلك.
والحكمة من وراء ذلك أنه من المفترض أن المدعي عليه يعرف أن هناك دعوى ضده، فإذا تغيب عن حضور واحدة من جلساتها، فإنه هو نفسه من عليه متابعتها ومعرفة ماذا تم بها.
لكن إذا غاب المدعي عليه عن الجلسة، وحصل عارض في القضية أدي إلى شطبها أو وقفها أو انقطاعها، ففي هذه الحالة يجب تبليغه، فإذا تسلم هذا التبليغ يصدر الحكم حضوريا ولو لم يحضر، وأما إذا لم يستلم التبليغ فإن الحكم إذا صدر يكون حكم غيابي في حقه.
غياب واحد من المدعي عليهم عن حضور جلسة المحكمة في السعودية:
نذهب الآن إلى المادة الثامنة والخمسون من نظام المرافعات الشرعية السعودي، وهي التي تشرح لنا الوضع إذا كان هناك في قضية واحدة أكثر من مدعي عليه.
إذ تنص هذه المادة على: ((إذا تعدد المدعى عليهم، وكان بعضهم قد بلغ لشخصه وبعضهم الآخر لم يبلغ لشخصه، وتغيبوا جميعًا أو تغيب من لم يبلغ لشخصه؛ وجب على المحكمة في غير الدعاوى المستعجلة تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة تالية يبلغ المدعي بها من لم يبلغ لشخصه من الغائبين، ويعد الحكم في الدعوى في حق من تبلغ من المدعى عليهم حكمًا حضوريًا)).