روي الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قلنا: وما هن يا رسول الله؟ .. قال: ((الشرك بالله والسحر ....)) إلي نهاية الحديث.
صورة تعبيرية لرجل شرطة إماراتي يلقي القبض على ساحر، الصورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot وهي خاصة بالقانون في الخليج. |
والموبقات في اللغة العربية تعني "المهلكات".
وبجانب الهلاك والعقوبة الغليظة في الآخرة، بل وربما حتى الانتقام في الدنيا بيد الله –عز وجل- من السحرة وممن يقصدونهم لإيذاء الناس.
فقد استل المشرع الإماراتي سيف القانون والعدالة ليضرب به هؤلاء المفسدين في الأرض.
فكان العام 2016 هو الوقت الذي صدرت فيه ولأول مرة نصوص واضحة وصريحة في "قانون اتحادي" بدولة الإمارات العربية المتحدة، تجرم أعمال السحر والشعوذة، وفي هذا التقرير الهام نبين لكم كل ما يتعلق بجريمة السحر في القانون الإماراتي، وما قد يتصل بها من أعمال الشعوذة، وكذلك حالة الاستعانة بساحر، وعقوبة كل حالة بتوضيح شامل ودقيق.
ما هي عقوبة السحر في القانون الإماراتي؟:
نصت المادة 361 مكرر 1 من قانون العقوبات الإتحادي الإماراتي على خمس بنود، تضمنت عددا من الأفعال والممارسات الداخلة في إطار "السحر والشعوذة".
البند الأول من هذه البنود أوضح عقوبة ممارسة أي عمل من أعمال السحر أو الشعوذة –سواء كان ذلك الفعل حقيقي أو مجرد خداع- وسواء كان ذلك بمقابل أو بدون مقابل.
فجعل العقوبة هي الحبس والغرامة، بمعني أن من يدان بإرتكاب مثل هذه الأفعال في الإمارات فإن القاضي سيجمع له بين عقوبتي الحبس والغرامة في نفس الوقت.
ونلاحظ هنا أن العقوبة على جريمة السحر في الإمارات ستكون:
لا يفلح الساحر حيث أتى.. جريمة السحر معاقب عليها بالحبس في القانون الإماراتي، الصورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot وهي خاصة بالقانون في الخليج. |
أ- الحبس: وهذا يجعل جريمة السحر في الإمارات تدخل ضمن "الجنح" وبهذا الشكل، فإنه وحسب الفقرة الثانية من المادة 69 من قانون العقوبات الإتحادي الإماراتي، فإن الحبس لن يقل أبدا عن مدة "شهر"، كما أنه لن يزيد في أي حال من الأحوال عن "ثلاث سنوات" كحد أقصى، وهكذا فإن القاضي هو من يحدد مدة الحبس، ويكون ذلك حسب ظروف كل قضية.
ب- الغرامة: وهي كما أوضحتها المادة 71 من القانون: إلزام المحكوم عليه بأن يدفع للخزينة المبلغ الذي تحكم به المحكمة، ولا يجوز هنا أن يقل عن ألف درهم، ولا يزيد عن 300 ألف درهم، وذلك لأن السحر يعد من الجنح في القانون الإماراتي كما أوضحنا، وإن كانت النيابة العامة الإماراتية قد حددت مبلغ غرامة إرتكاب جريمة السحر والشعوذة بمبلغ خمسين ألف درهم.
وقد أوضح البندين الثاني والثالث من هذه المادة ما هي الأفعال التي تعد من أعمال السحر والشعوذة في نظر القانون الإماراتي، لذا فإننا نري أنه من الأفضل أن نوضحها بشكل مستقل.
ما هي أفعال السحر في القانون الإماراتي؟:
- يعد من أعمال السحر: القول أو الفعل المخالف للشريعة الإسلامية، إذا قصد به التأثير في بدن الغير أو عقله أو إرادته، مباشرة أو غير مباشرة، حقيقة أو تخيلا.
- يعد من أعمال الشعوذة ما يأتي:
- التموية على أعين الناس أو السيطرة على حواسهم أو أفئدتهم بأي وسيلة لحملهم على رؤية الشيء على خلاف الحقيقة بقصد استغلالهم أو التأثير في معتقداتهم أو عقولهم.
- إدعاء علم الغيب أو معرفة الأسرار أو الإخبار عما في الضمير بأي وسيلة كانت بقصد استغلال الناس.
- عمل الطلاسم أو ما يسمي "الأعمال" بهدف إلحاق الضرر والإيذاء بشخص أو أكثر.
- بعض الممارسات التي أصبحت منتشرة في وقتنا هذا والتي تحمل أسماء براقة ولامعة تخفي ما ورائها من إستعانة بالشياطين مثل "العلاج بالطاقة – تنظيف الشاكرات – طاقة الإنثي – الشاكتي – تنشيط الرحم – قانون الجذب – توأم الشعلة"، وغيرها من تلك الممارسات التي يمارسها أو يعلمها سحرة أو دجالين أو مشعوذين لكن بثوب جديد ومختلف عن السحرة التقليديين بهدف خداع الناس الذين يرفضون السحر في المبدأ، فيدخل لهم هؤلاء من هذا الباب (( من أفضل من كشف حقيقة هؤلاء هو طبيب مصري يدعي "هيثم طلعت" ويمكنكم مشاهدة قناته على اليوتيوب إذا اردتم فهم كامل لحقيقة هذه الممارسات)).
- من يقوم بتسخير الجن والشياطين أو التعامل معهم.
- أمور مثل جلب الحبيب – فتح النصيب – فك السحر – توسيع الرزق – رد المطلقة.
- التأثير في جسم المسحور أو عقله أو قلبه بالمرض أو ببعض المشاعر.
- قد يصل الأمر إلي حد قتل المسحور (وهنا نصبح أمام جريمة قتل ولها عقوبة مستقلة عن جريمة السحر أو الاستعانة بساحر).
- منع الرجل والتأثير على قدرته على معاشرة زوجته أو العكس.
- التفريق والبغض بين الزوجين.
- تحبيب رجل معين في إمراة معينة استعانت بساحر.
ما هي العقوبات التبعية لممارسة جريمة السحر في القانون الإماراتي؟:
بخلاف ما سبق وأن أوضحناه من عقوبتي الحبس والغرامة، فقد نص البندين الرابع والخامس من المادة 316 مكرر 1، على عقوبتين تبعيتين على ممارسة السحر والشعوذة، هما:
- تحكم المحكمة بإبعاد المحكوم عليه الأجنبي "غير الإماراتي" عن الدولة، وهذا يكون بعد أن يمضي عقوبته.
- في جميع الأحوال تحكم المحكمة بمصادرة الأشياء المضبوطة.
ما هي عقوبة الاستعانة بساحر في القانون الإماراتي؟:
وهذه الحالة ربما تعد هي الحالة الأكثر انتشارا، لأن من يمارسون السحر دوما يكونون أقل ممن يستعينون بهم، فكل ساحر له زبائنه من المغفلين أو ضعاف الإيمان أو حتى من غير المؤمنين على الإطلاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)).
نصت المادة 316 مكرر 2 من قانون العقوبات الإتحادي الإماراتي على أنه:
((يعاقب بالحبس والغرامة، أو بإحدي هاتين العقوبتين:
1- استعان بساحر بقصد التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته)).
وهذه المادة مهمة للغاية لانها تعاقب كذلك من يستعينون بالسحرة، وهذا لأنهم أشخاص أشرار يريدون السوء لغيرهم ويسعون له، وكذلك لأنه بدون وجود هؤلاء فلن يكون للسحرة وجود أصلا، فمثل هؤلاء هم من يمدون السحرة بالمال والعون اللازم لهم.
وحتى هؤلاء الذين يظنون أن السحر أو أمور الشعوذة والسحرة والدجالين يستطيعون أن يشفون المريض من الأمراض، أو يحلون لهم مشاكلهم المالية أو العاطفية، وغير ذلك من الأمور التي تعتبر في الدين أصلا من "الشرك بالله".
والملاحظ هنا أن النص قال "أو بإحدي هاتين العقوبتين" .. لذا فإنه وعلى عكس جريمة السحر التي تكون العقوبة فيها الحبس والغرامة معا بشكل إلزامي، فإنه في جريمة الاستعانة بساحر يكون من حق القاضي التقدير في إختيار العقوبة التي تناسب كل قضية، فهو إما يجمع بين الحبس والغرامة، أو يكتفي بالحبس فقط، أو حتى بالغرامة فحسب.
عقوبة جلب كتب أو أدوات سحر إلي الإمارات:
لم يكتفي القانون الإماراتي بمعاقبة من يرتكب الجريمة بالفعل، بل توسع كذلك لمن يبدو عليه علامات يقينية أنه سيرتكبها أو على الأقل سيساعد شخص آخر في ارتكابها.
وذلك كمن يأتي مسافرا من الخارج ويتم ضبطه في أحد مطارات أو مؤاني الدولة البرية أو البحرية ومعه كتب أو أدوات سحر، أو حتى يضبط بها بعد دخوله بها إلي الدولة.
هذه الحالة تنقلنا إلي البند رقم 2 من المادة 316 مكرر 2 من قانون العقوبات الإتحادي الإماراتي. والتي عاقبت كل من:
((جلب أو استورد أو أدخل إلي الدولة أو حاز أو أحرز أو تصرف بأي نوع من أنواع التصرف في كتب أو طلاسم أو مواد أو أدوات مخصصة للسحر أو الشعوذة)).
وهنا نود أن نوضح ملحوظة مهمة للغاية، وهي أن من يمارس السحر غالبا ما يكون هو نفسه من جلب أو استورد الكتب والأدوات المخصصة لذلك.
لذا، فإنه عندما يقبض عليه ويكون بحوزته هذه الأشياء، فإنه تتم محاكمته على الجريمتين معا، جريمة السحر وجريمة جلب أو استيراد أو إحراز أدواته أو كتبه، وهنا يحصل على عقوبتين وليس على عقوبة واحدة، وذلك لأن كل جريمة مستقلة عن الأخرى.
والعقوبة هنا هي ذات العقوبة المقررة لجريمة الاستعانة بساحر وهي الحبس والغرامة أو بإحدي هاتين العقوبتين.
ملاحظات حول جريمة السحر في الإمارات:
لقد جرم المشرع الإماراتي السحر سواء وقع بأي صورة من الصور التي ذكرناها طوال هذا التقرير أو غيرها من الصور، أو حتى ولو لم يقع أصلا وظل في مرحلة –التخيل- أو أنه غير حقيقي، كمن لا يعرف السحر ويوهم الناس بأنه يصنع لهم سحرا.
السبب وراء ذلك أن المشرع الإماراتي تعامل مع هذه الجريمة كجريمة مضادة للدين وللإيمان، وهذا واضح من أنه وضع تلك الجرائم والعقوبات المقررة لها في الباب الخامس من قانون العقوبات الإتحادي، والذي يحمل عنوان ((الجرائم الماسة بالعقائد والشعائر الدينية)).
وهكذا فإنه لا يشترط أصلا أن يضر السحر بمن أراد السحر أو من استعان بالساحر أن يضروه أو يقوما بالتأثير عليه، بل يكفي فقط أنهم خططوا أو سعوا أو ارتكبوا هذه الجريمة ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة عندهم منها.
مثال: قامت فتاة تريد الزواج من شخص ما بالذهاب إلي ساحر وطلبت منه أن يقوم بإعداد ما يسمونه "حجاب" فأعطاها الساحر هذا الشيء، ووضعته كما أمرها في ملابس أو بين طيات فراش هذا الرجل الذي تريد الزواج منه، لكن الله –عز وجل- رد هذا الكيد عنه، ولم يرد له الضرر، ففي هذه الحالة، يعاقب الساحر بجريمة السحر "مادىة 316 مكرر 1"، وتعاقب الفتاة بجريمة الاستعانة بساحر "مادة 316 مكرر 2".
وفي النهاية، فإننا نحيي المشرع الإماراتي على هذه الخطوة، وعلى هذه النصوص الصريحة في تجريم كافة أعمال السحر والشعوذة، والتي جاءت بعدما كان يتم التعامل سابقا مع جريمة السحر في الإمارات بنص المادة 399 من قانون العقوبات الإتحادي والمتعلقة أصلا بجريمة الاحتيال وكان يشترط وقتها أن يتسلم الساحر مال حتى يصدر ضده عقوبة.
إذ أننا نجد أن قوانين العديد من الدول العربية خالية من مثل هذه النصوص التي تتعامل مع جريمة السحر، على قول أنها أمور خيالية أو غير حقيقية، بالرغم من كون السحر ثابت وجوده بنصوص قطعية الدلالة والثبوت من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.
إرسال تعليق