من أهم تعريفات التحرش الجنسي بأنه: ((أي سلوك جنسي غير مرغوب فيه يجعل الشخص الذي يتعرض له يشعر بالانزعاج أو الخوف أو الإهانة أو الإذلال، أو أن يكون المتحرش أصلا يهدف إلي جعل المجني عليه يشعر بهذه المشاعر)).
صورة تعبيرية لعدد من رجال الشرطة السعوديين يلقون القبض على أحد المتحرشين، في حين يتابع عدد من المارة ذلك، صورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot، خاصة بالقانون في الخليج. |
إنه بذلك يعد صورة من صور (العنف الجنسي)، والذي قد ينتج عنه آثار نفسية وصحية خطيرة في بعض الحالات تصيب الضحايا.
وقد أحسن المشرع السعودي عندما أصدر نظام مكافحة جريمة التحرش، وذلك بموجب المرسوم الملكي رقم (م/٩٦) بتاريخ ١٦ / ٩ / ١٤٣٩ ه الموافق ٣١ / ٥ / ٢٠١٨ م.
ليكون بذلك هناك نظام خاص لمكافحة هذه الجريمة والتصدي لمرتكبيها، إنه القانون الذي صدر لحماية عصمة جسد أي امرأة تعيش في السعودية، وتحقيقا لأحد مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة وهو مقصد (حماية العرض).
وسنرصد في هذا التقرير أهم ما ورد في هذا النظام ونوضحه بطريقة يفهمها الجميع.
ما هي جريمة التحرش في النظام السعودي؟:
عرفت المادة الأولى من نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي (التحرش) بأنه: ((يقصد بجريمة التحرش، لغرض تطبيق أحكام هذا النظام، كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة)).
وهكذا فإن جريمة التحرش في السعودية تشمل:
- التحرش القولي.
- التحرش الفعلي.
- التحرش بإشارة.
وقال النص: (تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر)، ويستوي في ذلك أن يكون سعوديا أو غير سعوديا، رجلا كان أو امرأة، صغيرا أو كبيرا.
وختمت المادة الأولى من النظام بهذه العبارة: ((بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة))، وهذا يعني أن من يرسل أي تحرش قولي أو بإشارة أو بالصور أو الفيديو إلي شخص آخر عبر وسائل التقنية الحديثة مثل الهواتف أو وسائل التواصل الاجتماعي فإنه يكون مرتكب لجريمة التحرش.
هل يجوز التنازل في قضية التحرش حسب النظام السعودي؟:
هذا السؤال يتكرر كثيرا عند أي حديث قانوني عن جريمة التحرش في السعودية.
وإجابته نجدها في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من (نظام مكافحة التحرش السعودي) التي تنص على: ((لا يحول تنازل المجني عليه أو عدم تقديم شكوى دون حق الجهات المختصة -نظاماً- في اتخاذ ما تراه محققاً للمصلحة العامة، وذلك وفقاً لأحكام نظام الإجراءات الجزائية، والأنظمة الأخرى ذات الصلة)).
هذا النص يجعل من الجائز أن تتنازل الضحية عن شكواها، لكنه في نفس الوقت يمنح الجهات المختصة الحق في إستكمال القضية أو حفظها، وهذا أمر يختلف بين كل حالة وأخرى.
وإن كان سير العمل في السعودية يذهب في معظم الأحيان إلي حفظ القضية وعدم استكمالها.
من له الحق في الإبلاغ عن جريمة تحرش في السعودية؟:
تجيبنا عن هذا السؤال الفقرة الثانية من المادة الثالثة من نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي، والتي نصت على:
((لكل من اطلع على حالة تحرش إبلاغ الجهات المختصة، لاتخاذ ما تراه وفقاً للفقرة رقم (1) من هذه المادة)).
إذن فقد وسع المشرع السعودي دائرة من له الحق في الإبلاغ عن جريمة تحرش ليشمل ليس الضحية فحسب، بل كل من أطلع عليها.
فمن كان يسير في طريق أو مكان عام ووجد فتي يتحرش بفتاة أو امرأة أو طفل، فإنه يمكنه الإبلاغ عن ذلك.
ولعل وجهة نظر المشرع السعودي وراء ذلك التوسع، هو أن بعض الضحايا قد يتحرجون من الإبلاغ عن وقوعهم ضحية لجريمة التحرش الجنسي، فشجع المجتمع كله ليقوم بالإبلاغ، مع توفيره ضمان سرية بيانات المجني عليه.
حماية بيانات المجني عليهم في جرائم التحرش في السعودية:
كان من أهم ما تضمنه نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي أنه وفر سرية بيانات المجني عليهم بشكل شبه كامل.
ففي الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه، نص على: ((يلتزم كل من يطلع -بحكم عمله- على معلومات عن أي من حالات التحرش بالمحافظة على سرية هذه المعلومات)).
هذا النص أيها السادة يخاطب رجال الشرطة والمحققين بل وحتى القضاة، ويجعل من اللازم عليهم المحافظة على سرية بيانات ومعلومات المجني عليهم في قضايا التحرش.
هناك استثناء واحد على هذه القاعدة، ورد في البند الثاني من نفس المادة (المادة الرابعة)، والتي نصت على: ((لا يجوز الإفصاح عن هوية المجني عليه، إلا في الحالات التي تستلزمها إجراءات الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة)).
وقوع جريمة التحرش داخل جهة حكومية أو خاصة:
قد تحدث جريمة التحرش أحيانا داخل جهة حكومية أو حتى داخل جهة تابعة للقطاع الأهلي، سواء كان من تعرض له موظف أو غير موظف في تلك الجهات.
إذا حدث ذلك فإنه بموجب المادة الخامسة من نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي، يجب أن يكون هناك طريقة معينة للإبلاغ إلي الجهة التي حدثت فيها واقعة التحرش.
وإذا كان الجاني في هذه الحالة من أحد الموظفين أو العاملين في تلك الجهة الحكومية أو الخاصة، فإنه يجب على الجهة التي يعمل لديها أن تقوم بمحاسبته تأديبييا.
ولا يمنع أن يصدر ضده عقوبة إدارية في جهة عملة من أن تتم محاكمته في جريمة التحرش أمام القضاء مثله مثل أي جاني آخر.
عقوبة التحرش في السعودية:
هذه العقوبة تسري على أي جريمة تحرش، فهي ذاتها إذا كان التحرش لفظي أو باللمس أو بالإشارة.
إذ جاء في الفقرة ١ من المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي على: ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد علي سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من ارتكب جريمة تحرش)).
هنا يكون القاضي هو الحكم الذي ينزل العقاب لكل حالة بما تستحقه، فبالطبع لن يحكم في قضية تحرش لفظي بمثل التحرش باللمس، ولن يحكم في قضية تحرش لشخص لمس قدم فتاة بمن لمس أحد مواطن العفة منها.
وهكذا فإن القاضي هو من يحدد العقوبة حسب كل حالة، فيمكنه أن يعاقب الجاني بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين، أو بغرامة حدها الأقصى ١٠٠ ألف ريال، أو أن يكتفي بواحدة من العقوبتين.
عقوبة التحرش بطفل في السعودية:
وهنا تزداد جريمة التحرش الجنسي خطورة، إذ تقع على طفل لا يستطيع حماية نفسه، بل وقد يتعرض لهذه الجريمة ولا يستطيع الحديث عنها وتظل تشكل ندبة نفسية عميقة بداخله تؤثر عليه لمدة زمنية طويلة.
لهذا كان من الطبيعي أن يشدد المشرع السعودي العقوبة في هذه الحالة فجعلها: ((تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدي هاتين العقوبتين)).
وجعل هذه العقوبة هي العقوبة المقررة لعدد من حالات التحرش، ومن بينها التحرش بطفل في السعودية.
حالات تشديد عقوبة التحرش في السعودية:
بخلاف حالة التحرش بطفل، فهناك عدد من الحالات الأخرى التي تتضاعف فيها العقوبة بهذا الشكل، وهي:
- حالة العود (أي تكرار الجريمة).
- إذا كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة (سواء بدنيا أو عقليا).
- إذا كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه (مثل رئيسه في العمل).
- إذا وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية.
- إذا كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد (ذكر وذكر أو أنثي وأنثي).
عقوبة التشهير بالمتحرش في السعودية:
بموجب المرسوم الملكي رقم (م/48) الصادر بتاريخ 1442/6/1هـ، إضيفت فقرة (٣) إلي المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش السعودي، والتي أجازت عقوبة (التشهير بالمتحرش).
حيث أصبح هناك (عقوبة تبعية) يمكن للقاضي أن يحكم بها بجانب العقوبة الأصلية لجريمة التحرش، وهي عقوبة التشهير، إذ تنص هذه الفقرة على جواز نشر الحكم متضمنا اسم المتحرش: ((النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة القطعية)).
الشرط الوحيد الذي حددته هذه الفقرة هي أن يكون الحكم (قطعي) بمعني أنه لا يمكن الاعتراض أو الطعن عليه، أما إذا كان الشخص لا يزال متهما أو لم يكن الحكم قد أصبح قطعي، فلا يجوز التشهير به.
والحكمة من وراء هذا النص، هو تحويل شعور الخزي والعار الذي كانت تشعر به الضحية فيما سبق، تحويله إلي من يستحقه فعلا وهو الجاني، عندما يعرف أهله وذويه وأصدقائه أنه "متحرش".
عقوبة البلاغ الكيدي في جريمة التحرش:
هناك بعض المرضي النفسيين الذين قد يعمدون إلي تشويه سمعة وصورة الآخرين، فلا يتورعون مثلا عن اتهامهم بجرائم تحط من سمعتهم مثل جريمة التحرش.
لذا فلحماية الشرفاء، وضع نظام مكافحة جريمة التحرش عقوبة لكل من تقدم ببلاغ كيدي ضد شخص آخر بأنه أرتكب جريمة التحرش.
إذ نصت الفقرة الثالثة من المادة السابعة على: ((يعاقب كل من قدم بلاغاً كيديًّا عن جريمة تحرش، أو ادعى كيداً بتعرضه لها، بالعقوبة المقررة للجريمة)).
فهذا الشخص الذي يكيد للناس يعاقب بنفس عقوبة جريمة التحرش الأصلية ردعا له.
الإبلاغ عن جريمة التحرش في السعودية:
وفرت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية العديظ من الوسائل التي يمكن من خلالها لأي شخص يتعرض للتحرش الجنسي بأن يقوم بالإبلاغ عن ذلك، من خلال:
- تطبيق كلنا أمن.
- الاتصال هاتفيا على الرقم ٩٩٩ أو ٩١١ أو ٩٩٦.
- الإبلاغ في أقرب مركز شرطة.