إننا حين نتحدث عن (جريمة القتل في القانون القطري) فإننا نتحدث عن أخطر جريمة في قانون العقوبات القطري بالكامل.
المحكمة الجنائية هي المختصة بنظر قضايا القتل في قطر، صورة من المجلس الأعلى للقضاء في دولة قطر. |
إذ تتعلق بإزهاق روح إنسان هو (المجني عليه)، وقد يكون الحكم بحق الجاني هو الإعدام، فنصبح أمام إزهاق روحين على الأقل.
ولكن وهنا نقطة إيجابية تتعلق بقطر على وجه الخصوص.. وهي أنها تعد واحدة من أقل دول العالم من حيث معدلات القتل، وهي في المركز الأول عربيا والتاسع عالميا على (مؤشر السلام العالمي) الذي يقيس معدلات الجرائم في الدول.
وقد أحاط القانون القطري بصور جريمة القتل المتعددة، فحددها، ووضح كل صورة منها بشكل مستقل، ثم خصص لكل حالة العقوبة التي تناسبها.
في هذا التقرير، سنلقي نظرة فاحصة على المواد من ٣٠٠ وحتى ٣١٤ من قانون العقوبات القطري والتي تناولت جريمة القتل تحت عنوان ((جرائم القتل والانتحار والاعتداء على سلامة الجسم)).
جريمة القتل العمد في القانون القطري:
نصت المادة ٣٠٠ من قانون العقوبات القطري على: ((يُعاقب بالإعدام، كل من قتل نفساً عمداً في إحدى الحالات التالية)).
ثم حددت خمس حالات هي:
- ((إذا كان القتل مع سبق الإصرار والترصد)).
- ((إذا وقع القتل باستعمال مادة سامة أو متفجرة))، والحكمة هنا أن الشخص الذي يضع السم يتصف بالغدر هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الضحية التي تتناول طعاما أو شرابا مسموما غالبا ما تتناوله من شخص هو محل ثقة لديه، وتسري صفة الغدر أيضا على من يستخدم مادة متفجرة في القتل، كما قد يكون ارتكابا لعمل إرهابي.
- ((إذا وقع القتل على أحد أصول الجاني))، كمن يقتل أحد والديه أو أحد جديه من الأب أو الأم، فهذا شخص قد بلغ مبلغا عظيما من الإثم والعدوان.
- ((إذا وقع القتل على موظف عام، أو من في حكمه، أثناء أو بسبب تأدية وظيفته أو عمله))، كتاجر المخدرات مثلا الذي يطارده رجال الشرطة فيقوم بقتل أحدهم.
- ((إذا كان القتل مقترناً أو مرتبطاً بجناية أو جنحة أخرى)) كحالة من يقوم بالسرقة مثلا، فيقاومه المجني عليه، فيقوم الجاني بقتله، أو حالة من اختطف امرأة أو طفل ثم اعتدي عليها أو عليه جسديا ثم قتله.
سبق الإصرار والترصد في قضايا القتل بقانون العقوبات القطري:
كما لاحظتم فإننا قد أوضحنا جميع حالات القتل العمد في القانون القطري، ما عدا حالة سبق الإصرار والترصد.
السبب وراء ذلك، انها واحدة من أهم تلك الحالات، وقد خصها المشرع القطري بالمادة ٣٠١ من قانون العقوبات لتوضيح تلك الحالتين.
فبدأ بتعريف سبق الإصرار بأنه: ((هو التصميم على إرتكاب الفعل قبل تنفيذه بوقت كاف، يُتاح فيه للفاعل الترويِّ في هدوء)).
بينما عرف الترصد بأنه: ((الترصد هو انتظار الفاعل لضحيته في مكان يَعتقد ملاءمته لتنفيذ جريمته)).
ودعونا هنا نوضح الأمور أكثر .. ونبدأ أيضا بسبق الإصرار.. إنه تلك الحالة التي يصمم فيها الجاني على القتل، ويأخذ ذلك التصميم منه وقت كافي ليهدأ.
فمثلا من وقع اعتداء على عرضه أو شرفه أو أهانه أحد بشكل شديد، فغلى الدم في عروقه، ثم مرت الأيام، وهو لا يزال يفكر في قتل غريمه الذي أوقع به الأذى، ثم عقد العزم على هذا، فهنا نصبح أمام حالة سبق إصرار.
وهنا لدينا حكم من محكمة التمييز القطرية، في قضية كانت قد وقعت فيها مشاجرة ثم قام الناس بفضها، لكن القاتل عاد مجددا بسكين وقتل المجني عليه، فقالت المحكمة في حكمها:
((وإذ كان الثابت من التحقيقات – على النحو السالف إيراده – أن المشادة الأولى التي اعتدى فيها المجني عليه بالضرب بيده على جبهة المتهم ...، كانت قد انتهت بالتفريق بينهما وانصراف كل منهما ومن معه إلى حال سبيله، فان عودة المتهم الأول من بعد حاملاً سكيناً سلمها له المتهم الثاني ... وذلك بعد أكثر من ساعة من المشادة الأولى وبحثه عن مكان تواجد المجني عليه وما إن عثر عليه حتى بادره بالاعتداء عليه ومحاولة المجني عليه استعطافه لعدم طعنه بالسكين ودون أن يبدر من المجني عليه أي بادرة اعتداء على المتهم ومن ثم فإن ما قارفه المتهم ... يكون من قبيل الانتقام بما تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس)). [الطعن رقم : 12 لسنة 2007 - جلسة 26 /3/ 2007 س3 ص67].
أما الترصد فأن يعرف مثلا أن الضحية تذهب إلي عملها كل يوم في موعد معين، وتسلك طريقا معينة، فيقعد له في هذا الطريق منتظرا، أو حتى أن يدبر له فيستدرجه إلي مكان معين بعيدا عن الأنظار فيقتله.
ونقرأ في الفقرة الثالثة من المادة ٣٠١ من قانون العقوبات القطري رقم ١١ لسنة ٢٠٠٤: ((ويُعد كل من سبق الإصرار والترصد متوفراً، ولو كان تنفيذ الفعل معلقاً على شرط، أو وقع الفعل على غير الشخص المقصود)).
ماذا يعني هذا الكلام؟.
يفترض النص توافر سبق الإصرار والترصد إذا كان الجاني قد عقد العزم على القتل في حالة حدوث شيء ما.
فهناك من يخطط للقتل إذا هدد شخص ما بأن يمتنع عن فعل ما ففعله، فيقتله.
وقد فعل المشرع القطري خيرا، عندما توسع في جعل شرط سبق الإصرار والترصد متوافرا حتى ولو وقع القتل على شخص آخر غير من قصده الجاني، كمن أطلق الرصاص على شخص معين، فأصابت رصاصته شخص آخر.
وهذا الأمر ((النية)) و ((سبق الإصرار)) هي أمور مهمة للغاية، ويجب على المحكمة التي تنظر القضية أن تثبت اطمئنانها إلى توافرها في حكمها.. وهذا ما جري العمل به في أحكام محكمة التمييز القطرية.
ومنها هذا الحكم الذي أعتبر أن قيام محكمة الجنايات بنفي توافر حالة نية القتل لدي الجاني دون أن يوضح التفاصيل يجعل حكمها معيبا:
((لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يتحدث كلية عن نية القتل لدى المطعون ضده الأول – رغم أنه انتهى إلى عدم توافرها – دون أن يورد ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها المتعلقة بهذا الأمر، وعما إذا كانت تصلح دليلاً على توافر نية القتل أو لا تصلح مما يمكن محكمة التمييز من إعمال رقابتها في هذا الخصوص، أما وهو لم يفعل فإنه يكون معيباً)). [الحكم في الطعن رقم : 46 لسنة 2006 - جلسة 5 /6/ 2006 س2 ص195].
بقية حالات جريمة القتل العمد في القانون القطري:
إذا ما نظرنا إلى الفقرة الأولى من المادة ٣٠٢ من قانون العقوبات القطري، نجدها تنص على: ((يُعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبد، كل من قتل نفساً عمداً في غير الحالات المبينة في المادة (٣٠٠) من هذا القانون)).
أهمية هذه المادة أنها فتحت الباب واسعا لأي حالة قتل عمد -سواء سبقها سبق الإصرار والترصد ام لم يسبقها-، وحتى لو لم تكن ضمن بقية الحالات الواردة في المادة ٣٠٠ من القانون، أن يعاقب من يرتكبها بالإعدام، طالما ثبت للمحكمة أنه كان (قتل عمد).
ومع هذا يجوز لها أن تكتفي بالحكم بالحبس المؤبد (أي الذي لا يقل عن خمس عشرة سنة)، وهذا أيضا اختلاف عن الحالات الخمس في المادة ٣٠٠ والتي يعاقب من يرتكبها بالإعدام فقط.
جريمة القتل التي يرتكبها مريض نفسي في القانون القطري:
ماذا يحدث إذا كان مرتكب جريمة القتل مريضا نفسيا؟.
لقد وضعت محكمة التمييز القطرية قاعدة مهمة في أحد أحكامها التي أدعي فيها الجاني أنه مريضا نفسيا.
مفاد هذه القاعدة أنه إذا ثبت أن الجاني شخص فاقد الإدراك والتمييز والفهم تماما، فهنا يمكن أن يتم إعفاءه من العقوبة، أما المريض النفسي العادي فهذا لا إعفاء له.
((أن من المقرر أن الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره أو إدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسؤولية وهو الأمر الذي لم يدعيه المتهم بأنه كان وقت ارتكابه الواقعة فاقداً للشعور أو الاختيار فقداً تاماً. لما كان ذلك، فإن ما أثاره المتهم الأول في هذا الصدد يكون غير مقبول)). [الطعن رقم : 12 لسنة 2007 - جلسة 26 /3/ 2007 س3 ص67].
جريمة قتل المولود سفاحاً:
كان الإمام المصري الراحل (محمد متولي الشعراوي) يشير إلي أن من أخطر النتائج التي قد تترتب على جريمة الزنا هي حمل المرأة، وما قد ينتج عنه من جريمة أخرى وهي قتل هذا الطفل الناتج عن الزنا، فيكون الزناة قد جمعوا بين كبيرة الزنا وكبيرة القتل.
وقد خصص قانون العقوبات القطري المادة ٣٠٣ لمعالجة هذه الحالة، فنصت على: ((تُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، المرأة التي قتلت عمداً طفلها الذي حملته سفاحاً، عقب ولادته مباشرة، اتقاءً للعار)).
وهذه المادة يتضح من قرائتها أنها موجهة للأم، فإذا كان الفاعل هو أب الطفل المولود سفاحاً فإنه يعاقب عقوبة القتل العادية ولا يستفيد من هذا النص.
كما اشترطت المادة أن تقع جريمة القتل عقب ولادة الطفل مباشرة، فإذا مر علي ولادته بعض الوقت، تتحول الجريمة إلي جريمة قتل عادية وتعاقب حتى الأم بالعقوبة العادية لها.
القتل غير العمد في القانون القطري:
يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات، كل من اعتدى عمداً على سلامة جسم غيره بأي وسيلة ولم يَقصد من ذلك قتله، ولكن الاعتداء أفضى إلى موته.
أمثلة شهيرة على ذلك: ((مشاجرة ضرب فيها شخص شخص آخر وهو لا يقصد قتله لكن إصابته كانت قاتلة، القتل الخطأ في حوادث السيارات)).
هل يوجد تنازل في قضايا القتل في قطر؟:
للإجابة على هذا السؤال، فإن قانون العقوبات القطري رقم ١١ لسنة ٢٠٠٤، قسم الحق الذي اعتدي عليه الجاني في قضايا القتل إلي:
- حق عام: وهو حق المجتمع الذي تم الاعتداء على أمنه وترويع أفراده، وهذا لا يجوز التنازل عنه.
- حق خاص: وهو حق ذوي القتيل الذي تم الاعتداء عليه، وهذا يجوز التنازل عنه سواء بالعفو أو بالدية.
وبالتنازل عن الحق الخاص، فإن العقوبة (تقل) ولكنها لا تلغي تماما، وذلك كما سنبينه فيما يلي:
- التنازل في قضايا القتل العمد التي عقوبتها الإعدام المذكورة في المادة ٣٠٠ من القانون: تستبدل عقوبة الإعدام بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ١٥ سنة، إذا عفي ولي الدم أو قبل الدية، وهذه المدة هي الحد الأقصى للعقوبة، ويجوز للقاضي التخفيض فيها.
- التنازل في قضايا القتل العمد التي عقوبتها الإعدام أو الحبس المؤبد: حيث يعاقب الجاني بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، إذا عفا ولي الدم أو قَبِل الدية.
- التنازل في قضايا القتل الخطأ: يُعاقب الجاني بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، إذا عفا ولي الدم، أو قَبل الدية.
هذا ونلفت الإنتباه هنا إلى أن المادة ٥٨ من قانون العقوبات القطري قد نصت على: ((لا يجوز تنفيذ الحكم بالإعدام إلا بعد مصادقة الأمير عليه))، كما يجوز لأمير البلاد وفقا للدستور أن يصدر مرسوما بالعفو أو التخفيف من العقوبة.
كما يوقف تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل إلي أن تضع مولودها، فإذا وضعته حيا، يستمر الإيقاف لمدة عامين (هي مدة الرضاعة الطبيعية)، كما يجوز في هذه الحالة استبدال عقوبة الاعدام بعقوبة السجن المؤبد حسب المادة ٣٤٥ من قانون الإجراءات الجنائية القطري.