خلق الله -عز وجل- الغريزة الجنسية في أبدان ونفوس البشر، وأباح لهم ما يمارسونها من خلاله بشكل سوي وقويم بل وممتع في إطار (الزواج) بين رجل وامرأة، يثمر أبناء، يربونهم فيزدهر بهم المجتمع، ويعرف الأبن أباه ويحمل اسمه.
يتصدي القانون الكويتي لجرائم الشذوذ الجنسي بصورها المتعددة، شعار وزارة العدل الكويتية، استخدام عادل. |
فلما قعد الشيطان للناس على الصراط المستقيم، ولما إتبع بعضهم الشهوات، خرجوا عن هذا الإطار، فظهر الشذوذ الجنسي بصورتيه (اللواط والسحاق)، حيث نزل فاعلوه إلى درك شديد الإنحطاط.
هذا وأصبح من الثابت علميا أن هذه الانحرافات سببا مباشرا في العديد من الأمراض والأوبئة القاتلة.
وقد قام قانون الجزاء الكويتي بتجريم هذه الصور الشاذة، وخصص لها عقوبات قوية، نعرضها اليوم في هذا التقرير.
جريمة (هتك العرض) في القانون الكويتي:
هذه الجريمة يحدث فيها الشذوذ (اللواط أو السحاق) بغير رضا المجني عليه.
واللواط هو اتيان الذكر لذكر آخر، أما السحاق هو فعل النساء بعضهن ببعض، سواء بإدخال في فرج المرأة شيء تستجلب به لذة تشبه لذة الجماع أو بإثارتها عن طريق أعضائها الجنسية، كالنهدين والشفرين والشفتين، وسائر أعضاء الجسد التي لها تأثير في استجلاب انتشاء المرأة.
ومع ذلك فلا يشترط في القانون الكويتي أن تتم هذه الأفعال بشكلها الكامل لنصبح أمام جريمة هتك العرض، إذ قضي بأنه جريمة هتك العرض تتم كلما وقع فعل مخل بالحياء يستطيل إلي جسم المجني عليه وعوراته ويخدش عاطفة الحياء لديه ((تمييز جنائي، الطعن رقم ٣٥٠ لسنة ٢٠٠٥، جلسة ٢٨ / ٢ / ٢٠٠٦)).
وقد استخدم المشرع الكويتي لفظ (هتك العرض) للتعبير عن تلك الواقعة، والتي وضع تجريمها في المادة رقم ١٩١ من قانون الجزاء الكويتي، والتي تنص على: ((كل من هتك عرض إنسان بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة)).
والملاحظ هنا أن النص قال ((كل من هتك عرض إنسان)) فالمجني عليه قد يكون ذكر وقد يكون أنثي.
فإذا قام الجاني باستخدام وسيلة لإكراه المجني عليه أو تهديده أو حتى خداعه ففي هذه الحالة يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة، بمعني أن المحكمة قد تقضي بحبسه تلك المدة أو أقل منها.
وقد يكون الإكراه في هتك العرض أو في أي جريمة أخرى:
- إكراه مادي: كمن يهدد المجني عليه بأنه سيوقع أذى به أو بشخص عزيز عليه، أو يقوم بإيقاع هذا الإكراه فعلا مثلا في صورة ((الضرب)).
- إكراه معنوي: كمن يهدد المجني عليه بأنه سيوقع ضرر شديد بسمعته.
لكن ماذا يحدث إذا وقعت تلك الجريمة من شخص قريب من المجني عليه لقرابة أو صلة عمل؟.
لقد أجابت الفقرة الثانية من ذات المادة (١٩١ من قانون الجزاء الكويتي)، على هذا السؤال حينما نصت على: ((إذا كان الجاني من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته أو رعايته، أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان خادما عنده، أو عند من تقدم ذكرهم، كانت العقوبة الحبس المؤبد)).
والأصول هنا مثل الأب أو الجد، ومن يتولي التربية أو الرعاية أو ممن لهم سلطة عليه، بذا فقد يدخل فيها مثلا المدرس في المدرسة.
وكذلك من يخدمهم تسري عليه حكم هذه الفقرة التي زادت العقوبة من الحبس ١٥ سنة إلي الحبس المؤبد، وهو ((الحبس مدى الحياة)) بحسب تعريف المادة ٦١ من قانون الجزاء الكويتي.
وقد تشدد المشرع الكويتي هنا وزاد العقوبة بشكل كبير، لأن جريمة هتك العرض في هذه الحالة تكون واقعة من أشخاص من المفترض أنهم هم من يوفرون الحماية والأمان.
فلما يأتي منهم الغدر والاعتداء بهذا الشكل، إنما هو تعبير عن نفس مجرمة آثمة تستحق أن يغلظ لها العقاب.
هذه هي الفكرة نفسها التي انبني عليها تشديد العقوبة في الفقرة الثالثة من نفس المادة (١٩١ قانون الجزاء الكويتي).
إذ عالجت هذه الفقرة حالة وقوع جريمة هتك العرض على الصغير أو المجنون أو المعتوه، مهما كان من ارتكبها، فنصت على: ((يحكم بالعقوبات السابقة إذا كان المجني عليه معدوم الإرادة لصغر أو لجنون أو لعته، أو كان غير مدرك طبيعة الفعل، أو معتقدا لشرعيته، ولو ارتكب الفعل بغير إكراه أو تهديد أو حيلة)).
والاعتقاد بالشرعية هنا، قد تحدث مثلا إذا كان المجني عليه (ذكرا كان أو أنثى) يظن أن الجاني يفحصه طبيا، في حين أنه يقوم بالعبث في عورته.
وفي جميع الأحوال السابقة، لا يحول دون عقاب الجاني أنه كان واقعا تحت تأثير سكر أو مخدر، ما دام هذا السكر أو ذلك التخدير كان اختياريا بإرادته عبر تناول المسكر أو المخدر.
كذلك إنه وفي جميع الحالات السابقة، فليس شرطا أن يترك هتك العرض أثرا على جسد المجني عليه، وذلك بحسب ما أقرته (محكمة التمييز الكويتية) في حكمها في الطعن رقم ٢٦٨ لسنة ٢٠٠٩، والصادر بجلسة ٢٠ / ٤ / ٢٠١٠.
جريمة (هتك العرض) في القانون الكويتي إذا كان المجني عليه صبي أو صبية:
لدينا كذلك المادة رقم ١٩٢ من قانون الجزاء الكويتي، والتي تنص على: ((كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يتم كل منهما الحادية والعشرين من عمره، بغير إكراه أو تهديد أو حيلة، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات)).
وهذا النص افترض أن الصبي أو الصبية قد سمحا بهذا الفعل بدون أن يكون أحدهما واقعا تحت تأثير إكراه أو تهديد أو حيلة من الجاني، لذا فقد خفض العقوبة إلي عشر سنوات.
ولكن، وعلى نفس طريقة ارتكاب الجريمة من فاعل من أقارب المجني عليه أو المحيطين به، فقد غلظت الفقرة الثانية من المادة ١٩٢ العقوبة، فجعلتها الحبس مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة.
والملاحظ هنا في المادة ١٩٢ في فقرتيها الأولى والثانية، أنهما قد نصا على "الحد الأقصى للعقوبة" دون أن يحددا الحد الأدنى لها، ما يفتح الباب أمام القضاء لتحديد العقوبة المناسبة وفقا لظروف كل حالة وملابستها.
جريمة اللواط في القانون الكويتي:
هذه الجريمة تعاملت معها المادة ١٩٣ من قانون الجزاء الكويتي، والتي نصت على: ((إذا واقع رجل رجلا آخر يبلغ الحادية والعشرين وكان ذلك برضائه، عوقب كل منهما بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات)).
وهذا النص يجعل الفاعل والمفعول به سواء في العقوبة، وهي نقطة نتفق معها جدا.
هذا وتعد عقوبة السبع سنوات حبس هي ((الحد الأقصى للعقوبة)) بمعني جواز إنقاصها بمعرفة القاضي حسب ظروف وملابسات كل واقعة.
فإذا كان المفعول به لم يبلغ الحادية والعشرين من عمره، فإن الجريمة ستتحول إلي هتك عرض صبي، وعقوبتها كما ذكرنا سابقا الحبس مدة لا تجاوز ١٠ سنوات، وفي هذه الحالة كذلك لن يتم معاقبة المفعول به، وسيتم عقاب الفاعل فقط.
جريمة الفعل الفاضح على أنثي في القانون الكويتي:
هذه الجريمة ذات ظروف خاصة، ونبدأ أولا بوضع نص المادة الخاصة بها، وهي المادة رقم ١٩٩ من قانون الجزاء الكويتي:
((كل من ارتكب في غير علانية فعلا فاضحا، لا يبلغ من الجسامة مبلغ هتك العرض، مع امرأة دون رضاها، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة، وبغرامة لا تجاوز أو بإحدي هاتين العقوبتين)).
- فهذه الجريمة تقع في غير علانية.
- لا يبلغ من الجسامة مبلغ هتك العرض: كقيام سيدة أو فتاة بتقبيل أخرى كرها عنها.
- الحبس حده الاقصى سنة واحدة، أي يجوز للقضاء تقليل هذه المدة.
- قد تكون العقوبة الحبس فقط أو الغرامة المالية فقط، ويجوز للقاضي أن يجمع بين عقوبتين.
نقاط مهمة جدا عن جرائم (اللواط - السحاق - هتك العرض) في القانون الكويتي:
- لا يلزم أن يقاوم المجني عليه في جريمة اللواط أو السحاق بالإكراه (هتك العرض) للقول بوجود إكراه، بل يكفي وقوع الإكراه نفسه.
- إذا حدث هتك العرض بأيا من صورتيه (اللواط أو السحاق بالإكراه) من فاعل، وكان هناك شريك لديه يقوم بحمل سلاح أو شيء لتهديد المجني عليه، فإنه يعتبر فاعلا في الجريمة، وذلك كما أقرته (محكمة التمييز الكويتية) في جلسة بتاريخ ٢٢ / ٥ / ١٩٧٨.
- من صور ((الحيلة)) التي قد يستخدمها الجاني في جريمة هتك العرض بالإكراه، أن يقدم إلي المجني عليه شرابا به مسكر أو مخدر أو منوم.