شخصين ضبطتهما إدارة مكافحة جرائم التزييف والتزوير في وزارة الداخلية الكويتية، كانا قد امتهنا تزوير التقارير الطبية. |
تعد جرائم التزييف والتزوير واحدة من الجرائم الخطيرة ليس في الكويت فحسب، بل في أي مكان وزمان ترتكب فيها، وذلك لأنها جريمة تقلب الحقيقة، فتجعل الحق باطلا والعكس صحيح.
وتمتد خطورة التزييف والتزوير لتطال الاقتصاد الوطني عندما تحدث على العملة، سواء الوطنية أو الأجنبية.
ويمتد الأمر فنجد هناك من يقوم بتزوير خاتم الدولة بهدف تزوير أوراق أو مستندات وإيهام الآخرين بأنها (محرر رسمي)، أو حتى قيام موظف رسمي بتزوير المحرر الرسمي نفسه.
كل تلك الصور وغيرها من جرائم التزييف والتزوير، جعلت المشرع الكويتي يهتم بها ويضع لها العقوبات في قانون الجزاء الكويتي، وهو ما سنتاوله في هذا التقرير.
ما هو التزوير في القانون الكويتي؟:
عرفت المادة ٢٥٧ من قانون الجزاء الكويتي "التزوير" بشكل عام حينما قالت:
((يعد تزويرا كل تغيير للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، إذا كان المحرر بعد تغييره صالحا لأن يستعمل على هذا النحو)).
أي يجب أن يظهر المحرر بشكل يعتقد من يراه أنه حقيقي.
وأوضحت الفقرة الثانية من نفس المادة الطرق التي يقع بها التزوير فنصت على:
((ويقع التزوير إذا اصطنع الفاعل محررا ونسبه إلي شخص لم يصدر منه، مثال: من قام بإعداد عقد بيع مثلا لشيء يملكه شخص آخر))
((أو أدخل تغييرا على محرر موجود سواء بحذف بعض ألفاظه، أو بإضافة ألفاظ لم تكن موجودة، أو بتغيير بعض الألفاظ، أو وضع إمضاء أو خاتم أو بصمة شخص آخر عليه، دون تفويض من هذا الشخص، مثال: وجود عقد صحيح ثم قيام أحد الأشخاص بإضافة بند لم يتفق عليه طرفي العقد)).
((أو حمل ذلك الشخص عن طريق التدليس على وضع إمضاءه أو خاتمه أو بصمته على المحرر دون علم بمحتوياته، أو دون رضاء صحيح بها، مثال: موظف بشركة دس لمديره ورقة ليوقع عليها وسط مجموعة من الأوراق السليمة)).
((ويقع التزوير أيضا إذا غير الشخص المكلف بكتابة المحرر معناه أثناء تحريره بإثباته فيه واقعة غير صحيحة على أنها واقعة صحيحة، مثال: قيام موظف رسمي مكلف بكتابة البيانات بإثبات واقعة غير صحيحة)).
((ويقع التزوير ممن استغل حسن نية المكلف بكتابة المحرر فأملي عليه بيانات كاذبة موهما أنها بيانات صحيحة، مثال: قيام المواطن أو المقيم بخداع الموظف وإعطاءه بيانات غير سليمة لكتابتها في المحرر الرسمي)).
أركان جريمة التزوير في القانون الكويتي:
بناء على نص المادة ٢٥٧ من قانون الجزاء الكويتي فإن التزوير في المحررات هو أمر خطير، لما يترتب عليه من تغيير للحقيقة، وزعزعة ثقة الناس في المحررات خشية من أن تكون مزورة.
ولهذه الجريمة ثلاثة أركان هي:
- أولا: الركن المادي:
ويحدث ذلك بثلاثة أشياء هي: (تغيير الحقيقة، أن يحدث ذلك على محرر مكتوب، أن يحدث التغيير بواحدة من الطرق المقررة في القانون).
*تغيير الحقيقة: إن أي تغيير للحقيقة في محرر مكتوب (سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي) يشكل جريمة تزوير، مثال على ذلك: (العقود، قسائم الزواج والطلاق، دفاتر المواليد والوفيات.. إلخ).
ويشترط في تغيير الحقيقة أن يكون ضارا بمصلحة الغير.
*المحرر المكتوب: وتقع جريمة التزوير سواء كان المحرر رسمي أو عرفي (المحرر العرفي هو المكتوب بين أشخاص عاديين ولم يتم إثباته بأي طرق من طرق الإثبات الرسمية)، وهذا ما أوضحه نص المادة ٢٥٧ من قانون الجزاء الكويتي.
*طرق التزوير: وهي الطرق التي حددتها المادة ٢٥٧ أيضا، وبشكل عام يمكن اختصارها في ثلاث طرق هي:
- الاصطناع: وهو كتابة محرر منسوب إلى شخص لم يكتبه، كتقليد خطه أو توقيعه، ومثال على ذلك؛ (تزوير سند مثل "الشيك" يثبت دين على هذا الشخص).
- الإضافة أو الحذف: وهو القيام بتغييرات على محرر مكتوب أصلا، وقد يكون ذلك بإضافة كلمات أو حروف أو أرقام أو حذفها، (مثال على ذلك: التعديل في تاريخ كتابة المحرر).
- وضع إمضاء أو خاتم مزور: وذلك سواء تم ذلك بواسطة المزور بنفسه، أو قيامه بطريق الاحتيال بجعل شخص آخر يضع إمضاءه أو خاتمه على المحرر.
التزوير المعنوي: ((تنويه: التزوير المعنوي هو صورة من صور تغيير الحقيقة ويختلف عن "الركن المعنوي لجريمة التزوير والذي سنوضحه بشكل مستقل)).
الركن المعنوي هنا يقصد به التزوير الذي يحدث على (معني) المحرر.
ويتضح من نص المادة ٢٥٧ من قانون الجزاء الكويتي أن التزوير (المعنوي) قد يحدث بواحدة من طريقتين.
- الطريقة الأولى:
أن يغير الشخص المكلف بكتابة المحرر سواء بسبب وظيفته أو بطلب من ذوي الشأن معناه أثناء تحريره بإثباته فيه واقعة غير صحيحة على أنها واقعة صحيحة.
وهنا لابد من الإشارة إلى حالة (التزوير بالترك)، وهي الحالة التي يقوم فيها الجاني بعدم إثبات ما كان يجب أن يثبته في المحرر.
وقد استقر قضاء (محكمة التمييز الكويتية) على أن قيام الموظف العام بتعمد عدم إثبات بيانات معينة يجب عليه إثباتها هو ما يعرف باسم (التزوير بالترك).
مثال على ذلك: تمييز جزائي الطعن رقم ٧٨١ لسنة ٢٠١٥ جلسة ١٧ / ١٢ / ٢٠١٥، وهي قضية مكن فيها موظف أحد الأشخاص من الخروج من مطار الكويت الدولي عن طريق إغفال إثبات بياناته الحقيقية، حتى لا ينكشف أمر منعه من السفر لوجود مانع أمني.
اعتبرت المحكمة هذا الفعل تزوير تم بطريق الترك.
- الطريقة الثانية:
وهي إملاء بيانات كاذبة، عن طريق قيام الشخص صاحب الشأن بإملاء بيانات غير صحيحة على من يكتب المحرر، وفي هذه الحالة يجهل من يكتب أن هذه البيانات كاذبة، ويستوي في ذلك أن يكون الإملاء شفويا أو تقديم مستند به بيانات كاذبة.
- ثانيا: الضرر:
الركن الثاني من أركان جريمة التزوير في القانون الكويتي هو وقوع (ضرر) بحق أو مصلحة يحميها القانون سواء كان ذلك الضرر ماديا أو معنويا، ويستوي في ذلك أن يصيب الضرر شخص واحد أو مجموعة أشخاص أو حتى المجتمع ككل.
كما يستوي في ذلك وقوع التزوير في محرر رسمي أو محرر عرفي.
لكن التزوير في محرر رسمي بالذات المنصوص عليه في المادتين ٢٥٧ و ٢٥٩ من قانون الجزاء الكويتي يتحقق بمجرد تغيير الحقيقة حتى ولو لم يترتب عليه ضرر بشخص معين.
لأن الضرر هنا حدث بالمصلحة العامة لما يترتب على تزوير المحررات الرسمية من التقليل بثقة الناس فيها.
ويشترط أن يكون التزوير من شأنه أن يبعث في نفس من يراه بأنه (مطابق للحقيقة) وأن تنصرف نية من زور المحرر في استعماله من أجل تحقيق الغرض الذي زوره من أجله.
- ثالثا: الركن المعنوي:
جريمة التزوير في المحررات هي جريمة (عمدية) يكون الركن المعنوي فيها هو (القصد الجنائي) ويتطلب توافر "قصد عام" يتمثل في معرفة الجاني بأركان جريمته واتجاه ارادته لفعلها، و "قصد خاص" هو نيته استعمال المحرر المزور فيما زوره من أجله.
وقد استقرت أحكام (محكمة التمييز الكويتية) على ذلك، ومنها الحكم الصادر في التمييز الجزائي، الطعن رقم ٢١٦ لسنة ٢٠٠٢، جلسة ١٤ / ١٠ / ٢٠٠٣.
أنواع التزوير في المحررات في القانون الكويتي:
بحسب "العقوبة" يمكننا أن نفرق بين نوعين من التزوير في المحررات في القانون الكويتي.
- الأول: التزوير في محرر عرفي: (جنحة).
وهذا ما نصت عليه المادة ٢٥٨ من قانون الجزاء الكويتي، والتي جاء فيها:
((كل من ارتكب تزويرا يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز مائتين وخمسة وعشرين دينارا أو بأحدي هاتين العقوبتين)).
وبالرغم من أن هذه المادة لم تنص صراحة على أن هذه العقوبة هي عقوبة تزوير محرر عرفي، إلا أن المادة التالية لها (٢٥٩) تحدثت عن تزوير المحررات الرسمية فيكون المستفاد من ذلك أن المادة ٢٥٨ هي الخاصة بالمحررات العرفية.
- الثاني: التزوير في محرر رسمي: (جناية).
حيث تنص المادة ٢٥٩ من قانون الجزاء الكويتي على:
((إذا ارتكب التزوير في محرر رسمي أو في ورقة من أوراق البنوك، كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز خمسمائة وخمسة وعشرين دينارا، وإذا ارتكب التزوير في المحرر الرسمي من الموظف المكلف بإثبات البيانات التي غيرت الحقيقة فيها، كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز سبعمائة وخمسين دينارا)).
وهذا النص يجعل التزوير في محرر رسمي يحدث في واحدة من حالتين:
- أن يقوم أحد الأشخاص بتزوير محرر بحيث يجعله يبدو وكأنه صادر من موظف عام أو جهة رسمية.
- أن يقوم الموظف العام نفسه بتزوير المحرر.
جريمة استعمال المحررات المزورة:
نصت المادة ٢٦٠ من قانون الجزاء الكويتي على أنه:
((كل من استعمل محررا زوره غيره، وهو عالم بتزويره، يعاقب بالعقوبة التي توقع عليه لو كان هو الذي ارتكب التزوير في هذا المحرر)).
----- ملحوظة: استعمال محرر فقد قوته القانونية:
تنص المادة ٢٦١ من قانون الجزاء الكويتي على: ((كل من استعمل محررا فقد قوته القانونية، سواء كان ذلك بإبطاله أو بإلغائه أو بنسخه أو بوقف أثره أو بانتهاء هذا الأثر، وكان عالما بذلك وقاصدا الايهام بأن المحرر لا يزال حافظا قوته القانونية، يعاقب بالعقوبة التي توقع لو كان ارتكب تزويرا في هذا المحرر)).
وهنا نفرق ما إذا كان المحرر الذي فقد قوته القانونية محرر رسمي أو محرر عرفي، ففي الحالة الأولى (محرر رسمي أو ورقة من أوراق البنوك) تكون العقوبة وفقا لما ورد في المادة 259 وإذا كان محرر عرفي كانت العقوبة حسب المادة 258 من قانون الجزاء الكويتي.
جريمة تزييف وترويج العملة في الكويت:
عالج المشرع الكويتي جرائم تزييف وترويج أوراق النقد والمسكوكات في المواد ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ من قانون الجزاء الكويتي.
فنص في المادة ٢٦٣ منه على أن: ((كل من قلد أوراق النقد بأن صنع ورقة تشبه أوراق النقد الصحيحة أو زورها بأن أدخل على ورقة النقد صحيحة تغييرا أيا كان، وذلك بقصد استعمال الورقة المقلدة أو المزورة في التداول، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمسة عشر سنة، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز ألف ومائة وخمسة وعشرين دينارا، وتعد ورقة نقدية كل سند أصدره بنك أو أصدرته حكومة أيا كانت جنسيتهما ...)).
ونص في المادة ٢٦٤ منه على: ((كل من استعمل أو تداول أو روج على أي نحو كان، أو أدخل في البلاد ورقة نقد مقلدة أو مزورة مع علمه بتقليدها أو تزويرها يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز سبعمائة وخمسين دينارا)).
كما نصت المادة ٢٦٨ من قانون الجزاء الكويتي على: ((كل من قلد المسكوكات بأن صنع مسكوكا يشبه المسكوكات الصحيحة أو زورها بأن أنقص قيمتها المعدنية بواسطة مبرد أو مقراض أو ماء الحل أو غير ذلك، أو طلاها بطلاء يجعلها شبيهة بمسكوك أكبر منها قيمة وهو قاصد أن تستعمل في التداول باعتبارها مسكوكات صحيحة، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز سبعمائة وخمسين دينارا، ويعد مسكوكا كل معدن أصدرته حكومة الكويت أو حكومة أجنبية وأعطته شكلا خاصا وطرحته في التداول باعتباره نقدا)).
إرسال تعليق