في الحياة، تحدث الكثير من الأشياء، الجيدة والصعبة، بعضا منها يكون نتيجة لفعل الآخرين، وهو ما يفتح الباب واسعا للسؤال .. هل يجوز التعويض عن الشئ الذي فعله أحد الأشخاص فتسبب في وقوع ضرر لشخص آخر؟.
تنظر المحاكم المدنية البحرينية باختلاف درجاتها قضايا التعويض. |
والضرر هنا قد يكون ضررا ماديا يصيب ثروة الإنسان أو ممتلكاته، وقد يكون ضررا معنويا يصيب سمعته أو احترامه أو حتى مشاعره.
كما قد يكون الضرر متوقع أو غير متوقع، كل ذلك عالجه المشرع البحريني في المرسوم بقانون رقم ١٩ لسنة ٢٠٠١ بشأن إصدار القانون المدني.
سنتناول أولا التعويض الذي يرتبط بالعقود، ثم ننتقل لتوضيح التعويضات التي تحدث بسبب الضرر الذي يتسبب فيه فعل الغير.
الضرر في القانون البحريني:
إذن لدينا شرطا أساسيا لنقول بأن هناك مجال للحكم بالتعويض، وهو وقوع (ضرر) وأن يكون هذا الضرر قد وقع نتيجة لخطأ.
الضرر الناتج عن استخدام الحق:
نبدأ أولا بحالة أن يستخدم الشخص حقه، فيترتب على ذلك حدوث ضرر للغير.
مثال: قيام أحد الاشخاص باستخدام حقه في التقاضي، فرفع قضية يطلب بها بحق له عند شخص آخر، فحكمت المحكمة لصالحه، وبذلك يكون قد أضر بمن رفع القضية ضده
في هذه الحالة، وبحسب المادة ٢٧ من القانون المدني البحريني، فإن استعمال الحق استعمالا مشروعا لا يترتب عليه مسئولية ولو نشأ عن هذا الاستعمال ضرر للغير.
لكن المادة ٢٨، وضعت استثناءات جعلت من استخدام الحق فيها يصبح (غير مشروع)، وهذه الاستثناءات هي:
- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
- إذا كانت المصلحة أو المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.
- إذا كانت المصلحة أو المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
- إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضررا بليغا غير مألوف.
التعويض في التعاقد بالنيابة:
في بعض الأحيان تحدث التعاقدات مع "وكيل" أو "نائب" وهذا ما يسمي (النيابة في التعاقد).
لكن في بعض الحالات قد يتجاوز النائب حدود نيابته في التعاقد .. فإذا أقر الشخص الأصيل هذا التجاوز يسري العقد كما هو.
فإذا لم يحصل إقرار من الأصيل بهذا التجاوز، يكون من حق المتعاقد الآخر أن يرجع على النائب الذي تجاوز حدود النيابة أو اتخذ صفة النيابة بدون وجه حق، ويطلب منه "التعويض".
لكن (المادة ٦٤ فقرة ب) من القانون المدني البحريني تنفي وجود حق للمتعاقد الآخر في طلب "التعويض" إذا كان يعلم بانتفاء النيابة أو تجاوز حدودها، أو كان مفروضا فيه أن يعلم ذلك.
التعويض في التعاقد مع ناقص الأهلية:
يحدث في بعض الأحيان أن يكون أحد طرفي العقد (ناقص الأهلية) كأن يكون صغير السن مثلا.
وقد نظمت المادة ٧٦ من القانون المدني البحريني هذه الحالة، فقالت أنه لو لجأ ناقص الأهلية إلى "طرق احتيالية" لإخفاء نقص أهليته، كان ملزما بالتعويض لمن تعاقد معه بسبب ما سببه له إبطال العقد من ضرر.
ومن سبيل التعويض هنا، أنه يجوز للقاضي الحكم برفض دعوى إبطال العقد التي قد يرفعها ناقص الأهلية يطلب فيها إبطال العقد بسبب نقص أهليته.
التعويض بسبب بطلان العقد لخطأ أحد المتعاقدين:
بمطالعة المادة (١٢٤) من القانون المدني البحريني نجد أنها تنص في فقرتها "أ" على:
- إذا بطل العقد أو إبطل بسبب خطأ أحد المتعاقدين، كان للمتعاقد الآخر أو للغير أن يطالبه بالتعويض عما يرتبه له البطلان من الضرر.
هذا النص يتناول حالة بطلان العقد بسبب خطأ أحد طرفي العقد، فإذا ثبت ذلك الخطأ جاز للطرف الآخر أن يطلب التعويض.
لكن الفقرة ب من نفس المادة تقول أنه لا محل للتعويض إذا كان من أصابه الضرر نتيجة بطلان العقد قد أسهم في الضرر، أو كان يعلم بسببه أو ينبغي عليه أن يعلم به.
التعويض بسبب عدم تنفيذ العقد:
تنص المادة ١٤٠ فقرة ١ من القانون المدني البحريني على:
((في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه عند حلول أجله، وبعد إعذاره، جاز للمتعاقد الآخر أن يطلب من القاضي تنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض، وذلك ما لم يكن طالب الفسخ مقصرا بدوره في الوفاء بالتزاماته)).
هذا النص يعالج حالات العقود الملزمة للجانبين (مثل عقد البيع الذي يلتزم فيه طرف بنقل الملكية وطرف آخر بدفع الثمن)، أو (عقد التوريد الذي يلتزم فيه طرف بتوريد سلع معينة ويلتزم الآخر بسداد ثمنها)، ومثل هذه العقود.
في حالة أن أحد الطرفين قام بتنفيذ إلتزامه لكن الثاني لم يفعل ذلك، توجب هذه المادة أن يقوم الطرف الذي قام بتنفيذ الالتزام بإعذار الطرف الآخر.. فإن استمر في عدم التنفيذ يجوز له رفع قضية يطلب فيه تنفيذ العقد أو فسخه حسب ما يريده.
وهنا يجوز الحكم بالتعويض إذا كان "الخطأ" المتمثل في عدم تنفيذ أحد طرفي العقد لالتزامه قد تسبب في ضرر للطرف الآخر... وهنا ننبه أنه يلزم لرفع هذه الدعوى أن يكون الطرف الذي يرفعها قد قام بتنفيذ التزاماته التي يفرضها عليه العقد.
التعويض بسبب الفعل غير المشروع .. (التعويض بسبب الفعل الضار):
هذا النوع من التعويض، يحتل فصل كامل من فصول القانون المدني البحريني، وهو الفصل الثالث الذي حمل عنوان المسئولية عن العمل غير المشروع (الفعل الضار).
ويبدأ هذا الفصل بحالات المسئولية عن العمل غير المشروع، وأولها (المسئولية عن الأعمال الشخصية)، فتنص المادة (١٥٨) على:
((كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من أحدثه بتعويضه)).
وهكذا فأي نوع من الخطأ ينتج عنه ضرر للغير يصبح من أحدث الخطأ ملزم بتعويض من وقع عليه الضرر.
ولنضرب هنا عددا من الأمثلة: إذا ثبت خطأ الطبيب بشكل فادح وعدم مراعاته للأصول الطبية والعلمية، فتسبب في تدهور حالة المريض فإنه يلزمه التعويض ... وإذا ثبت أن أحد المطاعم لم يراعي شراء الأطعمة السليمة فتسبب في أمراض معوية لمرتادين المطعم فإنه يلزمه التعويض .. إلخ.
- حالة تعدد المسئولون عن عمل ضار:
والقاعدة الأساسية أن يدفع كل منهم "بالتساوي" ومع ذلك يحق للقاضي أن يعين نصيب كل منهم في التعويض.
كيف يتم احتساب قيمة التعويض في البحرين؟:
المعيار هنا هو المادة ١٦١ من القانون المدني البحريني التي تنص في الفقرة (أ) منها على:
((يتحدد الضرر الذي يلتـزم المسئول عن العمل غير المشروع بالتعويض عنه بالخسارة التي وقعت والكسب الذي فات ، طالما كان ذلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع))
على سبيل المثال: قام أحد الاشخاص بدون وجه حق باحتجاز بضائع كان من المفترض بموجب عقد أن يسلمها لأحد التجار، فهكذا يكون قد فوت عليه الربح من المال الذي كان سيحصل عليه علاوة على خسارته بعض الأشياء مثل الزبائن الذين توجهوا للشراء من محلات أخرى وقد يستمرون في التعامل معها ويتركون متجره.
أما الفقرة (ب) من ذات المادة فتقول أن العمل غير المشروع يقع عندما يمتنع المتسبب في الضرر عن بذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص المعتاد.
التعويض عن الضرر الأدبي:
المادة ١٦٢ من القانون المدني البحريني فتحت الباب أمام مجال مهم من مجالات التعويض، وهو التعويض عن الضرر الأدبي، فليس فقط الضرر المالي هو ما يستحق عليه الشخص تعويضا.
الفقرة ب من نفس المادة حددت الضرر الأدبي بأنه:
((ويشمل الضرر الأدبي على الأخص ما يلحق الشخص من أذى جسماني أو نفسي نتيجة المساس بحياته أو بجسمه أو بحريته أو بـعرضه أو بشرفه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي أو الأدبي أو باعتباره المالي. كما يشمل الضرر الأدبي كذلك ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى)).
وهكذا يعطي القانون المدني البحريني الحق فيمن تعرض للمساس بحياته (هنا ينتقل حق التعويض لورثته لأنه يكون قد مات أصلا)، وبحسب المادة ١٦٣ من القانون، فإن التعويض عن الضرر الأدبي الناتج عن الوفاة لا يجوز الحكم به إلا للأزواج وللأقارب من الدرجة الثانية.
أو بجسمه (من تعرض للضرب مثلا يستحق تعويضا ممن ضربه).
كذلك من تعرض للمساس بحريته (كالخطف أو احتجازه ولو كان الاحتجاز على يد جهة رسمية بدون حكم قضائي أو أمر من النيابة العامة)، أو بعرضه أو شرفه أو سمعته وكل هذه الأمور المهمة في حياة أي إنسان بأي وسيلة كانت.
بل إن التسبب في شعور إنسان بالحزن والأسى هو ضرر يستوجب التعويض عنه.
التعويض عن الحوادث التي تتسبب بها الطائرات:
هذه الحالة (ضرر بسبب الطائرات) ينظم التعويض عنها قانون خاص هو القانون رقم ١٤ لسنة ٢٠١٣ بإصدار قانون تنظيم الطيران المدني البحريني.
إذ تنص المادة ١١٢ من هذا القانون على حالات التعويض عن الأضرار التي تسببها الطائرات في البحرين.
أمثلة على أحكام التعويض من القضاء البحريني:
*تعويض نتيجة لوقوع ضرر مادي ونفسي:
*قضايا تعويض مدني- جلسة ٣٠ / ٣ / ٢٠١٥ محكمة التمييز:
تتلخص وقائع هذه القضية في الحكم بالتعويض لشخصين أصابهما ضرر بسبب عدم وصول أمتعتهم على متن طائرة الشركة التي استقلوها في السفر خارج البحرين، وانتظارهم 48 ساعة حتى وصلت الأمتعة لهم.
نتيجة لذلك التأخير، اضطر هذين الشخصين لشراء أغراض خاصة لهم، وضياع يومين من عطلتهم، علاوة على الأضرار النفسية التي لحقت بهم.. كل هذا يسمي في القانون "الضرر".
*تعويض نتيجة لوقوع ضرر أدبي:
*قضايا تعويض مدني- جلسة ١٩ / ٣ / ٢٠١٥ محكمة التمييز:
* تتلخص وقائع هذه القضية في الحكم بالتعويض لسيدة تعرضت للسب والقذف والتشهير وكلام يخدش الحياء على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعريض بعلاقتها مع أمها وأشقائها.
--- هذا وتتكرر صدور أحكام من القضاء البحريني بالتعويض لمن وقع في حقهم سب أو شتم أو إهانة أو تشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل حكم المحكمة الكبرى المدنية البحرينية بإلزام مواطن بدفع ٢٠٠٠ دينار لنائب سابق، قام بسبه عبر موقع للتواصل الاجتماعي.
*تعويض نتيجة لوقوع ضرر أدبي:
*قضايا تعويض مدني:
تتلخص وقائع هذه القضية في حكم المحكمة المدنية البحرينية بتعويض شرطية بمبلغ ٤٠٠ دينار بعد أن تعرضت للسب من سيدة تحمل جنسية دولة خليجية كانت مخمورة أثناء الواقعة.
وكانت النيابة العامة البحرينية في تلك الواقعة قد أصدرت (أمر جنائي) ضد السيدة الخليجية بغرامة قدرها ٥٠ دينار، فمثل ذلك شق العقوبة لها.
وهنا نقطة مهمة نشير إليها، وهي أنه إذا كان "الخطأ" يمثل جريمة يعاقب عليها القانون، فإن صدور حكم إدانة ضد مرتكب الخطأ وتنفيذه له لا يسقط حق المضرور في طلب التعويض، بل العكس هو الصحيح، إذ يعد هذا الحكم دليل يثبت وقوع الضرر اللازم التعويض عنه.
إرسال تعليق